يَقُولُ لَهُمْ أَرَأَيْتُمْ يَا قَوْمِ ﴿إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي﴾ أَيْ عَلَى بَصِيرَةٍ فِيمَا أَدْعُو إِلَيْهِ، ﴿وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً﴾ قِيلَ: أَرَادَ النُّبُوَّةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ الرِّزْقَ الْحَلَّالَ ويحتمل الأمرين، قال الثَّوْرِيُّ: ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عنه﴾ أي لا أنهاكم عن الشيء وَأُخَالِفُ أَنَا فِي السِّرِّ فَأَفْعَلُهُ خُفْيَةً عَنْكُمْ، وقال قتادة: لم أكن أنهاكم عن أمر وأرتكبه، ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ أَيْ فيما أمركم وأنهاكم إنما أريد إصلاحكم جهدي وطاقتي، ﴿وَمَا توفيقي﴾ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ فِيمَا أُرِيدُهُ ﴿إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ فِي جَمِيعِ أُمُورِي ﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أي أرجع، قاله مجاهد. روى الإمام أحمد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ وَأَبَا أُسَيْدٍ يقول عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ، وَتَلِينُ لَهُ أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه قريب منكم فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَنْفُرُ مِنْهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ، وَتَرَوْنَ أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه» (أخرجه ابن أبي حاتم). وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: مَهْمَا بَلَغَكُمْ عَنِّي مِنْ خَيْرٍ فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ، وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ مَكْرُوهٍ فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾، قال أبو سليمان الضبي: كَانَتْ تَجِيئُنَا كُتُبُ (عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) فِيهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَيَكْتُبُ فِي آخِرِهَا: وَمَا كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.
- ٨٩ - وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ
- ٩٠ - وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
يَقُولُ لَهُمْ: ﴿وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَتِي وَبُغْضِي عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى مَآ أَنْتُمْ عليه من الكفر والفساد، فيصبيكم مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ هُودٍ وَقَوْمِ صَالِحٍ وَقَوْمِ لُوطٍ مِنَ النِّقْمَةِ وَالْعَذَابِ، وقال قَتَادَةُ: ﴿وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ يَقُولُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ فِرَاقِي، وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَدَاوَتِي، عَلَى أن تمادوا فِي الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ فَيُصِيبُكُمْ مِنَ الْعَذَابِ مَا أصابهم، ولما أحاط الناس بعثمان بن عفان أشرف عليهم مِنْ دَارِهِ فَقَالَ: ﴿وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ﴾، يا قوم لا تقتلوني، إنكم إن قتلتموني كنتم
هكذا، وشبّك بين أصابعه (أخرجه ابن أبي حاتم)، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ﴾ قِيلَ المراد في الزمان، قال قتادة: يعني إنما هلكوا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ بِالْأَمْسِ، وَقِيلَ: فِي الْمَكَانِ، وَيُحْتَمَلُ الأمران، ﴿واستغفروا رَبَّكُمْ﴾ من سالف الذنوب، ﴿ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ﴾ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ لمن تاب.
- ٩١ - قالوا يا شعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بعزيز
- ٩٢ - قال يا قوم أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
-[٢٣١]-
يَقُولُونَ: ﴿يا شعيب مَا نَفْقَهُ﴾ ما نفهم ﴿كَثِيراً﴾ من قولك، ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فينا ضعيفا﴾ (روي عن سعيد بن جبير والثوري أنهما قالا: كان شعيب ضرير البصر)، قال السدي: أنت واحد، وقال أبو روق: يَعْنُوُنُ ذَلِيلًا، لِأَنَّ عَشِيرَتَكَ لَيْسُوا عَلَى دِينِكَ، ﴿وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾ أي قومك لَرَجَمْنَاكَ} قِيلَ: بِالْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: لَسَبَبْنَاكَ، ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ أي ليس عندنا لك معزة، ﴿قال يا قوم أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ﴾، يَقُولُ: أَتَتْرُكُونِي لأجل قومي، ولا تتركوني إعظاماً لجناب الرب تبارك وتعالى أَنْ تَنَالُوا نَبِيَّهُ بِمَسَاءَةٍ وَقَدِ اتَّخَذْتُمْ جَانِبَ اللَّهِ ﴿وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً﴾ أَيْ نَبَذْتُمُوهُ خَلْفَكُمْ لَا تُطِيعُونَهُ وَلَا تُعَظِّمُونَهُ، ﴿إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ أَيْ هُوَ يَعْلَمُ جَمِيعَ أَعْمَالِكُمْ وَسَيَجْزِيكُمْ عليها.