يَعْمَلُونَ
- ٢٠ - وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا جرى ليوسف عليه السلام في الجب حِينَ أَلْقَاهُ إِخْوَتُهُ، وَتَرَكُوهُ فِي ذَلِكَ الْجُبِّ وحيداً فريداً، فمكث عليه السلام في البئر ثلاثة أيام، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا أَلْقَاهُ إِخْوَتُهُ في البئر جلسوا حول البئر يومهم ذلك ينظرون ماذا يَصْنَعُ وَمَا يُصْنَعُ بِهِ، فَسَاقَ اللَّهُ لَهُ سيارة، فنزلوا قريباً من تلك البئر وأرسولا وَارِدَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَتَطَلَّبُ لَهُمُ الْمَاءَ، فَلَمَّا جاء ذلك الْبِئْرَ وَأَدْلَى دَلْوَهُ فِيهَا تَشَبَّثَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهَا، فَأَخْرَجَهُ وَاسْتَبْشَرَ بِهِ، وَقَالَ: ﴿يَا بشرى هذا غُلاَمٌ﴾ أي يا بشراي، ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ أَيْ وَأَسَرَّهُ الْوَارِدُونَ مِنْ بَقِيَّةِ السيارة، وقالوا: اشتريناه مِنْ أَصْحَابِ الْمَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِيهِ إِذَا عَلِمُوا خَبَرَهُ (قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جرير وهذا أحد الأقوال في الآية)، وقال ابن عباس: ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾: يَعْنِي إِخْوَةَ يُوسُفَ أَسَرُّوا شَأْنَهُ، وَكَتَمُوا أَنْ يَكُونَ أَخَاهُمْ، وَكَتَمَ يُوسُفُ شَأْنَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَقْتُلَهُ إِخْوَتُهُ، وَاخْتَارَ الْبَيْعَ، فَذَكَرَهُ إِخْوَتُهُ لِوَارِدِ الْقَوْمِ، فَنَادَى أَصْحَابَهُ: ﴿يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ﴾ يُبَاعُ، فَبَاعَهُ إِخْوَتُهُ؛ وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي عليم بما يَفْعَلُهُ إِخْوَةُ يُوسُفَ وَمُشْتَرُوهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَغْيِيرِ ذَلِكَ وَدَفْعِهِ، وَلَكِنْ لَهُ حِكْمَةٌ وَقَدَرٌ سَابِقٌ، فَتَرَكَ ذَلِكَ لِيُمْضَى مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالمين﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى: وَبَاعَهُ إِخْوَتُهُ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ، وَالْبَخْسُ: هُوَ النَّقْصُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رهقا﴾ أي اعتاض عنه إخوته بثمن قليل، ومع ذلك كانوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِيهِ بَلْ لَوْ سُئِلُوهُ بِلَا شَيْءٍ لَأَجَابُوا، والضمير فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشَرَوْهُ﴾ عَائِدٌ عَلَى إِخْوَةِ يُوسُفَ (وهو رأى ابن عباس ومجاهد والضحاك)، وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى السَّيَّارَةِ؛ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ إِنَّمَا أَرَادَ إِخْوَتَهُ لَا أُولَئِكَ السَّيَّارَةَ، لِأَنَّ السَّيَّارَةَ اسْتَبْشَرُوا بِهِ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً، وَلَوْ كانوا فيه زاهدين لما اشتروه، فترجح من هذا أن الضمير في ﴿شَرَوْهُ﴾ إنما هو لإخوته، وقوله: ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ عن ابن مسعود رضي الله عنه: باعوه بعشرين درهماً، وقال عكرمة: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانُواْ فيه من الزاهدين﴾ ذلك أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا نُبُوَّتَهُ وَمَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ.
- ٢١ - وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
- ٢٢ - وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
يُخْبِرُ تَعَالَى بِأَلْطَافِهِ بِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَيَّضَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ، حَتَّى اعْتَنَى بِهِ وَأَكْرَمَهُ، وَأَوْصَى أَهْلَهُ بِهِ وَتَوَسَّمَ فِيهِ الخير والصلاح، فَقَالَ لِاِمْرَأَتِهِ: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾، وَكَانَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مصر عزيزها وهو الوزير بها، عن ابن عباس: وكان اسمه (قطفير) وَكَانَ عَلَى خَزَائِنِ مِصْرَ، وَكَانَ