وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جاز الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟ ". وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ إِذَا أصبحت وأمسيت وَإِذَا أَخَذْتُ مَضْجَعِي، قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شر
فسي، ومن شر الشيطان وشركه»، وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَأَمِنُوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ الله﴾ الآية،
أي افأمن هؤلاء المشركون أَنْ يَأْتِيَهُمْ أَمْرٌ يَغْشَاهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يشعرون، كقوله تَعَالَى: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يشعرون﴾؟ وقوله: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ * فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون﴾؟.
- ١٠٨ - قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَآ مِنَ المشركين
يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ آمِرًا لَهُ أَنْ يخبرا الناس أن هذه سبيله، أي طريقته وَمَسْلَكُهُ وَسُنَّتُهُ، وَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» يَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِهَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَيَقِينٍ وَبُرْهَانٍ، هُوَ وَكُلُّ مَنِ اتبعه، وَقَوْلُهُ: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ أَيْ وَأُنَزِّهُ اللَّهَ وَأُجِلُّهُ وَأُعَظِّمُهُ وَأُقَدِّسُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أَوْ نَظِيرٌ أَوْ عَدِيلٌ أَوْ نَدِيدٌ أَوْ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ أَوْ صَاحِبَةٌ أَوْ وَزِيرٌ أو مشير، تبارك وَتَقَدَّسَ وتنزَّه عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴿تُسَبِّحُ له السموات السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾.
- ١٠٩ - وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرْسَلَ رُسُلَهُ مِنَ (الرِّجَالِ) لَا مِنَ (النِّسَاءِ) وَهَذَا قَوْلُ جمهور العلماء، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ (سَارَّةَ) امْرَأَةَ الْخَلِيلِ، وَأُمَّ موسى، ومريم بنت عمران أَمَّ عِيسَى نَبِيَّاتٌ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَشَّرَتْ سَارَّةَ بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ الْآيَةَ، وَبِأَنَّ الْمَلَكَ جَاءَ إِلَى مَرْيَمَ فَبَشَّرَهَا بِعِيسَى عليه السلام، وبقوله تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ﴾، وَهَذَا الْقَدْرُ حَاصِلٌ لَهُنَّ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ من هذا أن يكن نبيات بذلك، ويبقى الكلام فِي أَنَّ هَذَا هَلْ يَكْفِي فِي الِانْتِظَامِ فِي سَلْكِ النُّبُوَّةِ بِمُجَرَّدِهِ أَمْ لَا؟ الَّذِي عليه أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أبو الحسن الْأَشْعَرِيُّ عَنْهُمْ - أَنَّهُ لَيْسَ فِي النِّسَاءِ نَبِيَّةٌ، وإنما فيهن (صدّيقات) (هذا هو القول الفصل في الموضوع: أنه ليس في النساء نبية، والأنبياء جميعهم من الرجال لقوله تَعَالَى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا﴾ الآية، وبهذا تسقط دعوى ابن حزم أن من النساء نبيات)، كما قال تعالى مخبراً عن (مريم بنت عمران): ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام﴾، فَوَصَفَهَا فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهَا بِالصِّدِّيقَيةِ، فَلَوْ كَانَتْ نَبِيَّةً لَذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَقَامِ التَّشْرِيفِ وَالْإِعْظَامِ فَهِيَ صِدِّيقَةٌ بِنَصِّ
الْقُرْآنِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابن عباس في الآية، أَيْ لَيْسُوا مِنْ