مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ الصِّنْوَانُ هو الْأُصُولُ الْمُجْتَمِعَةُ فِي مَنْبَتٍ وَاحِدٍ كَالرُّمَّانِ وَالتِّينِ وَبَعْضِ النَّخِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَغَيْرُ الصِّنْوَانِ مَّا كَانَ عَلَى أصل واحد كسائر الأشجار، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ: «أَمَّا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ»، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصِّنْوَانُ هِيَ النَّخْلَاتُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ؛ وَغَيْرُ الصِّنْوَانِ الْمُتَفَرِّقَاتُ، وَقَوْلُهُ: ﴿يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ قَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ قَالَ: «الدَّقَلُ وَالْفَارِسِيُّ وَالْحُلْوُ وَالْحَامِضُ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ)، أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي أَجْنَاسِ الثَّمَرَاتِ وَالزُّرُوعِ فِي أَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا وَطَعُومِهَا وَرَوَائِحِهَا وأوراقها وأزهارها، فهذا في غاية الحلاوة، وهذا فِي غَايَةِ الْحُمُوضَةِ، وَذَا فِي غَايَةِ الْمَرَارَةِ، وذا عفص، وهذا عذب، وهذا أصفر، وهذا أحمر، وهذا أبيض، وكذلك الزهورات مع أنها كلها تستمد مِنْ طَبِيعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْمَاءُ، مَعَ هَذَا الاختلاف الكثير الَّذِي لَا يَنْحَصِرُ وَلَا يَنْضَبِطُ، فَفِي ذَلِكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيًا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَاتِ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الَّذِي بِقُدْرَتِهِ فَاوَتَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَخَلَقَهَا عَلَى مَا يُرِيدُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
- ٥ - وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِن تَعْجَبْ﴾ من تكذيب هؤلاء المشركين بالمعاد، مَعَ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ودلائله في خلقه، وَمَعَ مَا يَعْتَرِفُونَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ ابْتَدَأَ خلق الأشياء بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ شَيْئاً مَّذْكُوراً، ثُمَّ هم بعد هذا يكذبون في أنه سيعيد العالم خلقاً جديداً، فَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِمْ: ﴿أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ عَالِمٍ وَعَاقِلٍ أَنَّ خَلْقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مَنْ خلق الناس، وأن بدأ الخلق فالإعادة عليه أسهل، كما قال تعالى: ﴿أو لم يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى؟ بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، ثم بعت الْمُكَذِّبِينَ بِهَذَا، فَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ أَيْ يُسْحَبُونَ بِهَا فِي النَّارِ، ﴿وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أَيْ مَاكِثُونَ أبداً لايحولون عَنْهَا وَلَا يَزُولُونَ.
- ٦ - وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ﴾ أَيْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ، ﴿بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ أَيْ بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي قوله: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ واقع﴾، وقال: {يَسْتَعْجِلُ