مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَسْتُرُ أَحَدًا، ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاءُ﴾ وَهْمُ الْأَتْبَاعُ
لقادتهم وسادتهم وكبرائهم ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وعن موافقة الرسل، قالوا لَهُمْ: ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ أَيْ مَهْمَا أَمَرْتُمُونَا ائْتَمَرْنَا وَفَعَلْنَا، ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ﴾ أَيْ فَهَلْ تَدْفَعُونَ عَنَّا شَيْئًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ كَمَا كُنْتُمْ تَعِدُونَنَا وَتُمَنُّونَنَا، فَقَالَتِ الْقَادَةُ لَهُمْ: ﴿لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ، ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ أَيْ لَيْسَ لَنَا خَلَاصٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إِنْ صَبْرَنَا عَلَيْهِ أَوْ جَزِعْنَا مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ الرحمن بن أسلم: أن أهل النار قَالُواْ: تعالوا فإنما أدرك أهل الْجَنَّةَ بِبُكَائِهِمْ وَتَضَرُّعِهِمْ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ، تعالوا نبك وتنضرع إلى الله، فبكوا وتضرعوا، فلما رأوا أنه لا ينفعهم، قالوا: إنما أَدْرَكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ بِالصَّبْرِ، تَعَالَوْا حَتَّى نَصْبِرَ فَصَبَرُوا صَبْرًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا﴾ الآية. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةَ فِي النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً من النار﴾، وقال ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ، قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تعلمون﴾، وقال تعالى: ﴿رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾، وَأَمَّا تُخَاصِمُهُمْ فِي الْمَحْشَرِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلِ، يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ، بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ﴾.
- ٢٢ - وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ
أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
- ٢٣ - وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فيها سلام
يخبر تعالى عما خاطب به إبليس أتباعه بعد ما قَضَى اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فَأَدْخَلَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّاتِ، وَأَسْكَنَ الْكَافِرِينَ الدَّرَكَاتِ، فَقَامَ فِيهِمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ الله يومئذ خَطِيبًا لِيَزِيدَهُمْ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ وَغَبْنًا إِلَى غَبْنِهِمْ وَحَسْرَةً إِلَى حَسْرَتِهِمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ أَيْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَوَعَدَكُمْ فِي اتِّبَاعِهِمُ النَّجَاةَ وَالسَّلَامَةَ، وَكَانَ وَعْدًا حقاً وخبراً صدقاً وأما أنا فوعدتكم فأخلفتكم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أَيْ مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ فِيمَا دعوتكم إليه دليل ولا حجة فيما وَعَدْتُكُمْ بِهِ، ﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، هَذَا وَقَدْ أَقَامَتْ عَلَيْكُمُ الرُّسُلُ الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم بِهِ، فَخَالَفْتُمُوهُمْ فَصِرْتُمْ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ ﴿فَلاَ تَلُومُونِي﴾ الْيَوْمَ، ﴿وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ﴾ فَإِنَّ الذَّنْبَ لَكُمْ لِكَوْنِكُمْ خَالَفْتُمُ الْحُجَجَ، وَاتَّبَعْتُمُونِي بِمُجَرَّدِ مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْبَاطِلِ، ﴿مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ﴾ أَيْ بنافعكم ومنقذكم


الصفحة التالية
Icon