- ٤٢ - وَلَا تحسبنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ
- ٤٣ - مُهْطِعِينَ مقنعي رؤوسهم لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طرفهم وأفئدتهم هواء
يقول تعالى: وَلَا تحسبنَّ اللَّهَ - يَا مُحَمَّدُ - غَافِلًا عَمَّا يعمل الظالمون، أي لا تحسبنه إذا أَنْظَرَهُمْ وَأَجَّلَهُمْ أَنَّهُ غَافِلٌ عَنْهُمْ، مُهْمِلٌ لَهُمْ لَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَى صُنْعِهِمْ، بَلْ هُوَ يُحْصِي ذلك عليهم ويعده عليهم عداً، ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ أَيْ مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ثُمَّ ذَكَرَ تعالى كيفية قيامهم من قبورهم وعجلتهم إِلَى قِيَامِ الْمَحْشَرِ، فَقَالَ: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ أَيْ مُسْرِعِينَ،
كما قال تعالى: ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿يؤمئذ يَتَّبِعُونَ الداعي لاَ عِوَجَ لَهُ﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً﴾ الآية، وقوله: ﴿مُقْنِعِي رُؤُوسَهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: رَافِعِي رؤوسهم، ﴿لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ أي أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النَّظَرَ، لَا يَطْرِفُونَ لَحْظَةً لِكَثْرَةِ مَا هُمْ فيه من الهول وَالْمَخَافَةِ لِمَا يَحِلُّ بِهِمْ عِيَاذًا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ﴾ أَيْ وَقُلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ خَالِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ لِكَثْرَةِ الْوَجِلِ وَالْخَوْفِ، وَلِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ أَمْكِنَةَ أَفْئِدَتِهِمْ خَالِيَةٌ، لِأَنَّ الْقُلُوبَ لَدَى الْحَنَاجِرِ قَدْ
خَرَجَتْ مِنْ أَمَاكِنِهَا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ. وقال بعضهم: هي خراب لا تعي شيئاً لشدة ما أخبر به تعالى عنهم، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
- ٤٤ - وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ
- ٤٥ - وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ
- ٤٦ - وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لتزول منه الجبال
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم عند معانية الْعَذَابِ: ﴿رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل﴾، كقوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارجعون﴾ الآية. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أموالكم﴾ الآيتين، وَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ فِي حَالِ مَحْشَرِهِمْ: ﴿وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون ناكسوا رؤوسهم﴾ الآية، وَقَالَ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا﴾ الآية، قال تَعَالَى رَادًّا عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا: ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ﴾ أي أو لم تكونوا تحلفون في قبل هذه الحالة أَنَّهُ لَا زَوَالَ لَكُمْ عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا مَعَادَ وَلَا جَزَاءَ فَذُوقُوا هَذَا بذلك، قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾: أَيْ مَا لَكَمْ مِنِ انْتِقَالٍ مِنَ الدُّنْيَا إلى الآخرة، كقوله: ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثَ اللَّهُ مِن يموت﴾ الآية، ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾ أَيْ قَدْ رَأَيْتُمْ وَبَلَغَكُمْ مَا أَحْلَلْنَا بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ قَبْلَكُمْ وَمَعَ هَذَا لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ فِيهِمْ مُعْتَبَرٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَوْقَعْنَا بِهِمْ مزدجر ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فما تغني النذر﴾. وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ يَقُولُ: مَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِأَنَّ هذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم بالله وكفرهم بِهِ مَا ضَرَّ ذَلِكَ شَيْئًا مِنَ الْجِبَالِ ولا غيرها، وإنما عاد وبال ذلك عليهم، ويشبه هذا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾، وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِهَا مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَإِن كَانَ