وروى أبو جعفر بن جرير الطبري، عن عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غير الأرض﴾ قال: أرض كالفضة البيضاء النقية، لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ، يُنْفِذُهُمُ الْبَصَرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا، قَالَ، أُرَاهُ قَالَ قِيَامًا حَتَّى يلجمهم العرق، وعن عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأرض﴾ قال: «أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها خطيئة» (رواه الحافظ أبو بكر البزار). وقال الربيع، عن أبي بن كعب قال: تصير السماوات جناناً. وقال الاعمش، عن عبد الله بن مسعود: الأرض كلها نار يوم القيامة، والجنة مِنْ وَرَائِهَا تَرَى أَكْوَابَهَا وَكَوَاعِبَهَا، وَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَفِيضُ عَرَقًا حتى ترشح فِي الْأَرْضِ قَدَمُهُ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ حَتَّى يَبْلُغَ أنفه، وما مسه الحساب، قالوا: ممَ ذلك يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ مِمَّا يَرَى الناس ويلقون. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَس عَنْ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غير الأرض والسموات﴾ قال: تصير السماوات جِنَانًا وَيَصِيرُ مَكَانُ الْبَحْرِ نَارًا وَتُبَدَّلُ الْأَرْضُ غيرها. وَقَوْلُهُ: ﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ﴾ أَيْ خَرَجَتِ الْخَلَائِقُ جَمِيعُهَا مِنْ قُبُورِهِمْ لِلَّهِ ﴿الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ أَيِ الَّذِي قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ وَغَلَبَهُ، وَدَانَتْ لَهُ الرِّقَابُ وَخَضَعَتْ لَهُ الْأَلْبَابُ.
- ٤٩ - وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ
- ٥٠ - سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ
- ٥١ - لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأرض والسموات﴾ وَتَبْرُزُ الْخَلَائِقُ لديَّانها تَرَى يَا مُحَمَّدُ يومئذٍ الْمُجْرِمِينَ وَهُمُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا بِكُفْرِهِمْ وَفَسَادِهِمْ، ﴿مُّقَرَّنِينَ﴾ أَيْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَدْ جُمِعَ بَيْنَ النُّظَرَاءِ أَوِ الْأَشْكَالِ مِنْهُمْ كُلِّ صِنْفٍ إِلَى صِنْفٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ﴾، وقال: ﴿وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ﴾، وَقَالَ: ﴿وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً﴾، وَقَالَ: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد﴾ وَالْأَصْفَادُ هِيَ الْقُيُودُ (قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْأَعْمَشُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ)، قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
فَآبُوا، بِالثِّيَابِ وَبِالسَّبَايَا * وأبنا بالملوك مصفدينا
وقوله تعالى: ﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ﴾ أَيْ ثِيَابُهُمُ الَّتِي يَلْبَسُونَهَا مِنْ قَطِرَانٍ، وَهُوَ الَّذِي تُهَنَّأُ بِهِ الْإِبِلُ، أي تطلى، قال قتادة: وهو ألصق شيء بالنار، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْقَطِرَانُ هُوَ النُّحَاسُ المذاب (وهو مروي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة)، أَيْ مِنْ نُحَاسٍ حَارٍّ قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾، كَقَوْلِهِ: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾، وقال الإمام أحمد، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن بالأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، وَالنَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا؛ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٍ مِنْ جرب" (أخرجه مسلم والإمام أحمد في المسند)، وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ الله كل نفس ما كَسَبَتْ﴾ أي يوم


الصفحة التالية
Icon