لَيْسَ هَكَذَا ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ﴾: الْمَيِّتَ والمقتول، ﴿والمستأخرين﴾ مَنْ يُخْلَقُ بَعْدُ، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾، فَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَفَّقَكَ اللَّهُ وَجَزَاكَ خَيْرًا.
- ٢٦ - وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
- ٢٧ - وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم
قال ابن عباس: المراد بالصلصال التراب اليابس، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ
صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾. وعن مجاهد: (الصلصال) المنتن، وتفسير الآية بِالْآيَةِ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ أَيِ الصَّلْصَالُ مِنْ حَمَأٍ وَهُوَ الطِّينُ، وَالْمَسْنُونُ الْأَمْلَسُ، وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
هُوَ التُّرَابُ الرطب، وعن ابن عباس ومجاهد أَنَّ الْحَمَأَ الْمَسْنُونَ هُوَ الْمُنْتِنُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بالمسنون ههنا الْمَصْبُوبُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ﴾ أَيْ مِنْ قَبْلِ الْإِنْسَانِ، ﴿مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ قَالَ ابن عباس: هي السموم التي تقتل، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْجَانَّ خُلِقَ مِنْ لهب النار، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ: «خُلِقت الملائكةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَتِ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمَ مما وصف لكم» (رواه مسلم وأحمد عن عائشة)، والمقصود من الْآيَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى شَرَفِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَطِيبِ عُنْصُرِهِ وَطَهَارَةِ مَحْتِدِهِ.
- ٢٨ - وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
- ٢٩ - فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ
- ٣٠ - فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
- ٣١ - إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ
- ٣٢ - قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ
- ٣٣ - قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
يَذْكُرُ تَعَالَى تَنْوِيهَهُ بِذِكْرِ آدَمَ فِي مَلَائِكَتِهِ، قَبْلَ خَلْقِهِ لَهُ وَتَشْرِيفَهُ إياه بأمر الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَيَذْكُرُ تَخَلُّفَ إِبْلِيسَ عَدُوِّهُ عن السجود له حَسَدًا وَكُفْرًا، وَعِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا وَافْتِخَارًا بِالْبَاطِلِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَّمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صلصال من حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾، كقوله: ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾.
- ٣٤ - قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
- ٣٥ - وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
- ٣٦ - قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
- ٣٧ - قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ
- ٣٨ - إِلَى يَوْمِ الوقت المعلوم
يذكر تعالى أنه أمر إبليس بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَإِنَّهُ رَجِيمٌ أَيْ مَرْجُومٌ، وَإِنَّهُ قَدْ أَتْبَعَهُ لَعْنَةً لَا تَزَالُ مُتَّصِلَةً بِهِ لَاحِقَةً لَهُ مُتَوَاتِرَةً عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا لعن الله إبليس تغيرت صورته عن صور الْمَلَائِكَةِ، وَرَنَّ رَنَّةً، فَكُلُّ رَنَّةٍ فِي الدُّنْيَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْهَا (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حاتم عن سعيد بن جبير). وَإِنَّهُ لَمَّا تَحَقَّقَ الْغَضَبُ الَّذِي -[٣١٢]- لاَّ مَرَدَّ لَهُ سَأَلَ مِنْ تَمَامِ حَسَدِهِ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ النَّظِرَةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْبَعْثِ، وَأَنَّهُ أُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا لَهُ وَإِمْهَالًا، فلما تحقق النظرة قبحه الله قال ما قصّه الله تعالى: