- ٣٩ - قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
- ٤٠ - إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ
- ٤١ - قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ
- ٤٢ - إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ
- ٤٣ - وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ
- ٤٤ - لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جزء مقسوم
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْلِيسَ وَتَمَرُّدِهِ وَعُتُوِّهِ إنه قال للرب: ﴿بِمَآ أَغْوَيْتَنِي﴾ أي بِسَبَبِ مَا أَغْوَيْتَنِي وَأَضْلَلْتَنِي ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ﴾ أَيْ لِذُرِّيَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ أحبب إليهم المعاصي وأرغبهم فيها، ﴿وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي كما أغويتني وقدّرت على ذلك، ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾، كقوله: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً﴾، ﴿قَالَ﴾ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مُتَهَدِّدًا وَمُتَوَعِّدًا، ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ أي مرجعكم إليَّ فَأُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنَّ شرا فشر، وَقِيلَ: طَرِيقُ الْحَقِّ مَرْجِعُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وإليه تنتهي (قاله مجاهد والحسن وقتادة)، كقوله: ﴿وعلى الله قَصْدُ السبيل﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ أَيِ الَّذِينَ قَدَّرْتُ لَهُمُ الْهِدَايَةَ فَلَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا وُصُولَ لَكَ إِلَيْهِمْ ﴿إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين﴾ استثناء منقطع، ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أَيْ جَهَنَّمُ مَوْعِدُ جَمِيعِ مَنِ اتَّبَعَ إِبْلِيسَ كَمَا قَالَ عَنِ الْقُرْآنِ، ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾، ثم أخبر أن لجهنم سبعة أبواب (في اللباب: أخرج الثعلبي: أن سلمان الفارسي لما سمع قوله تعالى: ﴿وَإِن جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فرّ ثلاثة أيام هارباً من الخوف لا يعقل، فجيء به إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يا رسول الله، أنزلت هذه الآية؟ فوالذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبي، فأنزل الله: ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وعيون﴾) ﴿لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ أَيْ قَدْ كَتَبَ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ أَتْبَاعِ إِبْلِيسَ يَدْخُلُونَهُ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا، وَكُلٌّ يَدْخُلُ مِنْ بَابٍ بِحَسَبِ عمله ويستقر في درك بقدر عمله، وعن علي بن أبي طالب أنه قال: إن أبواب جهنم هكذا أطباقٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وعن هبيرة بن أبي مريم عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَبْوَابُ جَهَنَّمَ سَبْعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، فَيَمْتَلِئُ الْأَوَّلُ ثم الثاني ثم الثالث، حتى تمتلئ كُلُّهَا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: سَبْعَةُ أَبْوَابٍ سَبْعَةُ أَطْبَاقٍ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَبْعَةُ أَبْوَابٍ أَوَّلُهَا جَهَنَّمُ، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية (روى الضحاك عن ابن عباس نحوه، وكذلك روي عن الأعمش)، وَقَالَ قَتَادَةُ ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مقسوم﴾: هي والله منازل بأعمالهم، وقال الترمذي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ قال علي أمة محمد -» (رواه الترمذي وقال: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مغول). وقال ابن أبي حاتم، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى حِجزته، وَمِنْهُمْ من تأخذه النار إلى تراقيه، منازلهم بِأَعْمَالِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾.