يأمر تعالى نبيّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: ﴿إني أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾ الْبَيِّنُ النِّذَارَةِ، نَذِيرٌ لِلنَّاسِ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، كَمَا حَلَّ بِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِرُسُلِهَا، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالِانْتِقَامِ، وَقَوْلُهُ: ﴿الْمُقْتَسِمِينَ﴾ أَيِ الْمُتَحَالِفِينَ، أَيْ تَحَالَفُوا على مخالفة الأنبياء وتكذبيهم وأذاهم، كقوله تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ قَوْمِ صَالِحٍ أَنَّهُمْ: ﴿قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله لنبيتنه وأهله﴾ الآية، أي نقتلهم ليلاً، قال مجاهد: تقاسموا وتحالفوا ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثَ اللَّهُ مِن يموت﴾، ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ فكأنهم لا يكذبون بشيء من الدنيا إِلَّا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ فَسُمُّوا مُقْتَسِمِينَ. قَالَ عَبْدُ الرحمن بن زيد: الْمُقْتَسِمُونَ أَصْحَابُ صَالِحٍ الَّذِينَ تَقَاسَمُواْ بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأهله، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: يَا قَوْمُ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا وَانْطَلَقُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي واتبع مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ"، وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ﴾ أي جزأوا كُتُبَهُمُ الْمُنَزَّلَةَ عَلَيْهِمْ، فَآمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، قال البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ قَالَ: هم أهل الكتاب جزأوه فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه (وروي عن مجاهد والحسن والضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير نحو ذلك). وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْعَضْهُ، السِّحْرُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، تَقُولُ لِلسَّاحِرَةِ: إِنَّهَا الْعَاضِهَةُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَضُوهُ أَعْضَاءً قَالُوا: سِحْرٌ، وَقَالُوا: كِهَانَةٌ، وَقَالُوا: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وقال عطاء: قال بعضهم: ساحر، وقالوا: مجنون، وقالوا: كاهن، فذلك العضين.
وقال محمد بن إسحاق، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ، فَقَالَ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ هَذَا الْمَوْسِمُ، وَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ، وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيُكَذِّبَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَرُدَّ قَوْلُكُمْ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَقَالُوا: وَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ فَقُلْ وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُولُ بِهِ، قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ قُولُوا لِأَسْمَعَ، قَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ، قَالُوا: فَنَقُولُ مَجْنُونٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، قَالُوا: فَنَقُولُ شَاعِرٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرٍ، قَالُوا: فَنَقُولُ سَاحِرٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِسَاحِرٍ، قالوا: فماذا تقول؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ تَقُولُوا: هُوَ سَاحِرٌ، فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، وأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ أَصْنَافًا: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أولئك النفر الذي قالوا لرسول الله. وقال ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قَالَ: عَنْ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا الله﴾ (ورد فيه حديث مرفوع رواه الترمذي عَنْ أنَس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في قوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لنسألهم أَجْمَعِينَ﴾ قَالَ: عَنْ ﴿لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾)، وقال ابْنَ مَسْعُودٍ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيَخْلُو اللَّهُ بِهِ يوم القيامة، فَيَقُولُ: ابْنَ آدَمَ مَاذَا غَرَّكَ مِنِّي بِي؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، عن أبي العالية في قوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قَالَ: يُسْأَلُ الْعِبَادُ كُلُّهُمْ عَنْ خُلَّتَيْنِ يَوْمَ القيامة: عما كانوا يعبدون، وعماذا أَجَابُوا الْمُرْسَلِينَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمَلِكَ وعن مالك، وقال ابن أبي حاتم، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ