عباس (وهو قول عكرمة والضحاك وقتادة وابن زيد): ﴿تُسِيمُونَ﴾ أَيْ تَرْعَوْنَ وَمِنْهُ الْإِبِلُ السَّائِمَةُ، وَالسَّوْمُ: الرعي. روى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ السَّوْمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَوْلُهُ: ﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ أَيْ يُخْرِجُهَا مِنَ الْأَرْضِ بِهَذَا الْمَاءِ الْوَاحِدِ عَلَى اخْتِلَافِ صُنُوفِهَا وَطَعُومِهَا وَأَلْوَانِهَا وَرَوَائِحِهَا وَأَشْكَالِهَا، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنْ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أَيْ دَلَالَةً وَحُجَّةً عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا؟ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
- ١٢ - وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
- ١٣ - وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ
يُنَبِّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى آيَاتِهِ الْعِظَامُ، وَمِنَنِهِ الْجِسَامِ فِي تَسْخِيرِهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَعَاقَبَانِ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَدُورَانِ، وَالنُّجُومَ الثَّوَابِتَ وَالسَّيَّارَاتِ فِي أَرْجَاءِ السماوات. نوراً وضياء ليتهدي بِهَا فِي الظُّلُمَاتِ، وَكُلٌّ مِنْهَا يَسِيرُ فِي فَلَكِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، يَسِيرُ بِحَرَكَةٍ مُقَدَّرَةٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقِصُ عنها، والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسهيله كقوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين﴾ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنْ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي لدلالات على قدرته تعالى الْبَاهِرَةِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ وَيَفْهَمُونَ حُجَجَهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ﴾ لما نبه تعالى على معالم السماء نَبَّهَ عَلَى مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا وَأَشْكَالِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْخَوَاصِّ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ أَيْ آلَاءَ اللَّهِ وَنِعَمَهُ فيشكرونها.
- ١٤ - وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
- ١٥ - وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
- ١٦ - وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
- ١٧ - أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
- ١٨ - وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَسْخِيرِهِ الْبَحْرَ الْمُتَلَاطِمَ الْأَمْوَاجِ، وَيَمْتَنُّ عَلَى عِبَادِهِ بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه، وما يخلقه فيه من اللآلئ والجواهر النفسية، وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حِلْيَةً يَلْبَسُونَهَا، وَتَسْخِيرِهِ الْبَحْرَ لِحَمْلِ السُّفُنِ الَّتِي تَمْخُرُهُ أَيْ تَشُقُّهُ، وَقِيلَ: تَمْخُرُ الرِّيَاحَ وَكِلَاهُمَا صحيح، الَّذِي أَرْشَدَ الْعِبَادَ إِلَى صَنْعَتِهَا، وَهَدَاهُمْ إِلَى ذلك إرثاً عن نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ السُّفُنَ، وَلَهُ كَانَ تَعْلِيمُ صَنْعَتِهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا النَّاسُ عَنْهُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَجِيلًا بَعْدَ


الصفحة التالية
Icon