- ١٧ - سورة الإسراء
بسم الله الرحمن الرحيم.
- ١ - سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
يُمَجد تَعَالَى نَفْسَهُ، وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَلَا إله غيره ولا رب سواه، ﴿الذي أسرى بِعَبْدِهِ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، ﴿لَيْلاً﴾: أَيْ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ، ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾: وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ (قال الحافظ السهيلي: قوله عزَّ وجلَّ ﴿إلى المسجد الأقصى﴾: يعني بيت المقدس، وهو إيليا، ومعنى إيليا - بيت الله - ﴿وباركنا حوله﴾ - يعني الشام - والشام بالسريانية: الطيب، فسميت بذلك لطيبها وخصبها، وبيت المقدس بناه سليمان عليه السلام، وكان داود عليه السلام قد ابتدأ مبناه فأكمله ابنه سليمان عليه السلام، واسمه: إيلياء، وتفسيره بالعربية: بيت الله، ذكره البكري، وقال الطبري: كان داود عليه السلام قد همَّ ببنيانه فأوحى الله تعالى إليه «إنما يبنيه ابن لك طاهر اليد من الدماء»، وفي الصحيح أنه وضع للناس بعد البيت الحرام، بأربعين سنة، وهذا يدل على أنه قد كان بني أيضاً في إسحاق ويعقوب عليهما السلام، ولكن بنيانه على التمام وكمال الهيئة كان على عهد سليمان عليه السلام) وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جمعوا له هناك كُلُّهُمْ فَأَمَّهُمْ فِي مَحِلَّتِهِمْ وَدَارِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَالرَّئِيسُ الْمُقَدَّمُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَقَوْلُهُ تعالى ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾: أَيْ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، ﴿لِنُرِيَهُ﴾: أَيْ مُحَمَّدًا ﴿مِنْ آيَاتِنَآ﴾: أَيْ الْعِظَامُ، كما قال تعالى: ﴿ولقد رأى مِنْ آيَاتِ ربه الكبرى﴾، ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ أَيْ السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عباده البصير بهم، فيعطي كلاً منهم مَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
«ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الواردة في الإسراء»
قال الإمام البخاري، عن أنَس بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، إِنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيَهُمُّ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خيرهم، فقال