الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا
- ٧ - إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً
- ٨ - عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
يخبر تَعَالَى إِنَّهُ قَضَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ، أَيْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرَهُمْ فِي الْكِتَابِ الذي أنزله عليهم أنهم سيفدون فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَيَعْلُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، أَيْ يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس، كقوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَآ إليه الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾ أَيْ تَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ وَأَخْبَرْنَاهُ بِذَلِكَ وَأَعْلَمْنَاهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ أَيْ أُولَى الْإِفْسَادَتَيْنِ ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أَيْ سَلَّطْنَا عَلَيْكُمْ جُنْدًا مِنْ خَلْقِنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، أي قوة وعدة وسلطنة شَدِيدَةٍ، ﴿فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ﴾ أَيْ تَمَلَّكُوا بِلَادَكُمْ وسلكوا خلال بيوتكم، أي بينها ووسطها ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ لَا يَخَافُونَ أَحَدًا، ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾. وقد اختلف المفسرون فِي هَؤُلَاءِ الْمُسَلَّطِينَ عَلَيْهِمْ مَنْ هُمْ؟ فَعَنِ ابن عباس وقتادة: أنه (جالوت) وَجُنُودُهُ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ثُمَّ أُدِيلُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ﴾ الآية. وعن سعيد بن جبير وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ (بُخْتُنَصَّرُ) مَلِكُ بَابِلَ. وَقَدْ أخبر الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُّوَهُمْ فَاسْتَبَاحَ بَيْضَتَهُمْ، وَسَلَكَ خِلَالَ بُيُوتِهِمْ، وَأَذَلَّهُمْ وَقَهَرَهُمْ، جَزَاءً وِفَاقًا ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ﴾، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَمَرَّدُوا، وَقَتَلُوا خَلْقًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ. وَقَدْ رَوَى ابن جرير، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: ظَهَرَ بُخْتُنَصَّرُ عَلَى الشَّامِ فَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَقَتَلَهُمْ، ثُمَّ أَتَى دِمَشْقَ فَوَجَدَ بِهَا دَمًا يَغْلِي عَلَى كِبًا، فَسَأَلَهُمْ مَا هَذَا الدَّمُ؟ فَقَالُوا: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هذا، قَالَ: فَقَتَلَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَسَكَنَ. وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَأَنَّهُ قَتَلَ أَشْرَافَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ من يحفظ التوراة، وأخذ معه منهم خلقاً كثيراً أَسْرَى مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَرَتْ أُمُورٌ وَكَوَائِنُ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَلَوْ وَجَدْنَا مَا هُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ لَجَازَ كِتَابَتُهُ وَرِوَايَتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ أَيْ فَعَلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا﴾، وقوله: ﴿فَإِذَا جَآءَ وعد الآخرة﴾ (قال مجاهد: بعث عليهم بختنصر في الآخرة، كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم. وقوله: ﴿عبادا لنا﴾ قال ابن عباس وقتادة: بعث الله عليهم جالوت، أخرجه ابن أبي حاتم، وفي العجائب للكرماني: قيل هم (سنحاريب) وجنوده. وقيل: العمالقة، وقيل: قوم مؤمنون) أي الكرة الآخرة، أي إذا أفسدتم الكرة الثَّانِيَةَ وَجَاءَ أَعْدَاؤُكُمْ ﴿لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ﴾: أَيْ يُهِينُوكُمْ وَيَقْهَرُوكُمْ، ﴿وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ﴾ أَيْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾: أَيْ فِي الَّتِي جَاسُوا فِيهَا خِلَالَ الدِّيَارِ، ﴿وَلِيُتَبِّرُواْ﴾: أَيْ يُدَمِّرُوا وَيُخَرِّبُوا ﴿مَا عَلَوْاْ﴾ أَيْ مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ ﴿تَتْبِيراً * عسى رَبُّكُمْ أَن يرحمكم﴾: أي فيصرفكم عَنْكُمْ، ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ أَيْ مَتَى عُدْتُمْ إِلَى الْإِفْسَادِ عُدْنَا إِلَى الْإِدَالَةِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا نَدَّخِرُهُ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ من العذاب والنكال، ولهذا قال: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً﴾ أَيْ مُسْتَقَرًّا وَمَحْصَرًا وسجناً لا محيد عنه. قال ابن عباس ﴿حَصِيراً﴾ أي
سجناً. وقال الحسن: فراشاً ومهاداً، وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدْ عَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيَّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.