الشمس النيرة فيه، وفاوت بين نور القمر وضياء الشَّمْسِ لِيُعْرَفَ هَذَا مِنْ هَذَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بالحق﴾، وقال تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج﴾ الآية. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فِي
قَوْلِهِ: ﴿فَمَحَوْنَآ آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ قال" ظلمة الليل وسدف النهار، وعن مُجَاهِدٍ: الشَّمْسُ آيَةُ النَّهَارِ، وَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْقَمَرُ يُضِيءُ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ، وَالشَّمْسُ آيَةُ النَّهَارِ، فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ السَّوَادَ الَّذِي فِي الْقَمَرِ. وقال قتادة: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ مَحْوَ آيَةِ اللَّيْلِ سَوَادُ الْقَمَرِ الَّذِي فِيهِ، وَجَعَلْنَآ آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً أي منيرة، وخلق الشَّمْسِ أَنْوَرُ مِنَ الْقَمَرِ وَأَعْظَمُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾ قَالَ: لَيْلًا وَنَهَارًا، كَذَلِكَ خَلَقَهُمَا اللَّهُ عزَّ وجلَّ.
- ١٣ - وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُورًا
- ١٤ - اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
يَقُولُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الزَّمَانِ وَذِكْرِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾، وَطَائِرُهُ: هُوَ مَا طَارَ عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عباس ومجاهد وغيرهما: من خير وشر، ويلزم بِهِ وَيُجَازَى عَلَيْهِ، ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ لديه مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، وقال: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَمَلَ ابْنِ آدَمَ مَحْفُوظٌ عَلَيْهِ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، صَبَاحًا ومساء، وقال الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَطَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عنقه». وقوله: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً﴾ أَيْ نَجْمَعُ لَهُ عَمَلَهُ كُلَّهُ فِي كِتَابٍ، يُعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِمَّا بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ سَعِيدًا، أَوْ بِشِمَالِهِ إِنْ كَانَ شَقِيًّا ﴿مَنْشُوراً﴾ أَيْ مَفْتُوحًا يَقْرَؤُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، فِيهِ جَمِيعُ عَمَلِهِ مِنْ أَوَّلِ عُمْرِهِ إِلَى آخِرِهِ ﴿يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ أَيْ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ لم تظلم ولم يكتب عليك إلاّ مَا عَمِلْتَ، لِأَنَّكَ ذَكَرْتَ جَمِيعَ مَا كَانَ مِنْكَ، وَلَا يَنْسَى أَحَدٌ شَيْئًا مِمَّا كَانَ مِنْهُ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَقْرَأُ كِتَابَهُ مِنْ كَاتِبٍ وأمي، وقوله: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ إِنَّمَا ذَكَرَ الْعُنُقَ لِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْجَسَدِ، وَمَنْ أُلْزِمَ بِشَيْءٍ فِيهِ فَلَا مَحِيدَ لَهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ مِنْ عَمَلِ يَوْمٍ إِلَّا وَهُوَ يُخْتَمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَرِضَ الْمُؤْمِنُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا عَبْدُكَ فُلَانٌ قَدْ حَبَسْتَهُ، فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ: اخْتِمُوا لَهُ عَلَى مِثْلِ عمله حتى يبرأ أو يموت" (أخرجه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر وإسناده قوي جيد كذا قال ابن كثير)، وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ قَالَ: عَمَلَهُ، ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ قَالَ: نُخْرِجُ ذَلِكَ الْعَمَلَ ﴿كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً﴾ قَالَ مَعْمَرٌ: وَتَلَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ﴾ يَا ابْنَ آدَمَ بَسَطْتُ لَكَ صَحِيفَتَكَ، وَوَكَلَ بِكَ مَلَكَانِ كَرِيمَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِكَ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِكَ، فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ، وَأَمَّا الذي عن شمالك فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ، فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ، أَقْلِلْ أَوْ أَكْثِرْ، حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ فَجُعِلَتْ في