عُنُقِكَ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ، حَتَّى تَخْرُجَ يَوْمَ القيامة كتاباً تلقاه منشورا ﴿اقرأ كتابك﴾ الآية. فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك، هذا من أحسن كَلَامِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
- ١٥ - مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ مَنِ اهْتَدَى وَاتَّبَعَ الْحَقَّ واقتفى أثر النُّبُوَّةِ، فَإِنَّمَا يُحَصِّلُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ الْحَمِيدَةَ لِنَفْسِهِ، ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ أَيْ عَنِ الْحَقِّ وَزَاغَ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ، فَإِنَّمَا يَجْنِي عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وزر أخرى﴾ (أخرج ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت: سألت خديخة رسول الله ﷺ عن أولاد المشركين، فقال: هم من آبائهم، ثم سألته بعد ذلك، فقال: الله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ عاملين، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت الآية: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وزر أخرى﴾ وقال: هم على الفطرة - أو قال في الجنة - كما في اللباب) أَيْ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ؟ وَلَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾، ولا منافاة بين هذا وبين قوله: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مع أثقالهم﴾، وقوله: ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ علم﴾ فإن الدعاة عليهم إثم ضلالتهم فِي
أَنْفُسِهِمْ، وَإِثْمٌ آخَرُ بِسَبَبِ مَا أَضَلُّوا من أضلوا، وَهَذَا مِنْ عَدْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ إِخْبَارٌ عَنْ عَدْلِهِ تَعَالَى؛ وَأَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، بإرسال الرسول إليه كقوله تَعَالَى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، قَالُواْ بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا﴾ الآية، وقوله: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا؟ قَالُواْ: بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ على الكافرين﴾، وقال تعالى: ﴿أَوَ لم نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النذير فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نصير﴾ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُدْخِلُ أَحَدًا النَّارَ إلاّ بعد إرسال الرسول إليه.
مسْألة
بقي ههنا مَسْأَلَةٌ قَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فيها قديماً وحديثاً، هي الْوِلْدَانُ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ صِغَارٌ وَآبَاؤُهُمْ كُفَّارٌ مَاذَا حُكْمُهُمْ! وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالْأَصَمُّ وَالشَّيْخُ الْخَرِفُ، ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوته. وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا أذكرها لك بعون الله وَتَوْفِيقِهِ، ثُمَّ نَذْكُرُ فَصْلًا مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. (فَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ): رواه الإمام أحمد عن الأسود بن سريع أن رسول الله ﷺ قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رجلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، ورجل مات في فترة. فالأصم فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرِمُ فَيَقُولُ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الذي مات في الفطرة فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ. فَيَأْخُذُ مواثيقهم ليطيعنه فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ محمد بيده لو دخلوها لكانت برداً وسلاماً".