وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض» (أخرجه ابن أبي الدنيا عن سعيد عن محسن). وقوله: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ
مَكْرُوهاً﴾، أي كُلُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ إلى هنا، (فسيئه) أي فقبيحه مكروه عند الله.
- ٣٩ - ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا
يَقُولُ تَعَالَى هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكَ بِهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَنَهَيْنَاكَ عنه من الصفات الرذيلة، مما حينا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ لِتَأْمُرَ بِهِ النَّاسَ، ﴿وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً﴾ أَيْ تَلُومُكَ نَفْسُكَ، وَيَلُومُكَ اللَّهُ والخلق ﴿مَّدْحُوراً﴾: أي مبعداً من كل خير، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: مَطْرُودًا، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ الْأُمَّةُ بِوَاسِطَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ معصوم.
- ٤٠ - أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً
يَقُولُ تَعَالَى رَادًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْكَاذِبِينَ الزَّاعِمِينَ - عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ - أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً، ثُمَّ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ بنات الله، ثم عبدوهم فأخطأوا فِي كُلٍّ مِنَ الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثِ خَطَأً عَظِيمًا، فقال تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ﴾ أَيْ خَصَّصَكُمْ بِالذُّكُورِ ﴿وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثاً﴾ أَيْ واختار لِنَفْسِهِ عَلَى زَعْمِكُمُ الْبَنَاتِ، ثُمَّ شَدَّدَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً﴾ أَيْ في زعمكم أن لِلَّهِ وَلَدًا ثُمَّ جَعْلِكُمْ وَلَدَهُ الْإِنَاثَ الَّتِي تَأْنَفُونَ أَنْ يَكُنَّ لَكُمْ وَرُبَّمَا قَتَلْتُمُوهُنَّ بِالْوَأْدِ، فتلك إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ ولدا * ما يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة فردا﴾.
- ٤١ - وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾: أَيْ صَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ مَا فيه من الحجج والبينات والمواعظ؛ فينزجرون عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالْإِفْكِ ﴿وَمَا يَزِيدُهُمْ﴾ أَيْ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ ﴿إِلاَّ نُفُوراً﴾ أي عن الحق وبعداً عنه.
- ٤٢ - قُل لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا
- ٤٣ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الزَّاعِمِينَ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا مِنْ خَلْقِهِ الْعَابِدِينَ مَعَهُ غَيْرَهُ ليقربهم إليه -[٣٧٩]- زلفاً: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ وَأَنَّ مَعَهُ آلِهَةً تُعْبَدُ لِتُقَرِّبَ إِلَيْهِ وَتُشَفَّعَ لَدَيْهِ، لَكَانَ
أُولَئِكَ الْمَعْبُودُونَ يَعْبُدُونَهُ وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ وَيَبْتَغُونَ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَالْقُرْبَةَ، فَاعْبُدُوهُ أَنْتُمْ وَحْدَهُ كَمَا
يَعْبُدُهُ مَنْ تَدْعُونَهُ مِنْ دُونِهِ، وَلَا حَاجَةَ لَكُمْ إِلَى مَعْبُودٍ يَكُونُ وَاسِطَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّ ذَلِكَ
وَلَا يَرْضَاهُ بَلْ يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ. وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ وَقَدَّسَهَا، فَقَالَ: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ﴾ أَيْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُعْتَدُونَ الظَّالِمُونَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ مَعَهُ آلِهَةً أُخرى ﴿عُلُوًّا كَبِيرًا﴾: أَيْ تَعَالِيًا كبيراً، بَلْ هُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ.