هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا
- ٥٢ - يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكُفَّارِ الْمُسْتَبْعَدِينَ وُقُوعَ الْمَعَادِ، الْقَائِلِينَ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ مِنْهُمْ لِذَلِكَ: ﴿أئذا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً﴾ أي تراباً، ﴿أئنا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ أي يوم القيامة بعد ما بلينا وصرنا عدماً
لا نذكر، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ: ﴿يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا
عِظَاماً نَّخِرَةً * قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾
، وقوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ الآية، فأمر الله سبحانه رسول الله ﷺ إن يُجِيبَهُمْ، فَقَالَ: ﴿قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً﴾ إذ هما أَشَدُّ امْتِنَاعًا مِنَ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ، ﴿أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾، عَنْ مُجَاهِدٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فقال: هو الموت، وعن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآية لو كنتم موتى لأحييتكم (وكذلك قال سعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحّاك وغيرهم)، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّكُمْ لَوْ فَرَضْتُمْ أَنَّكُمْ لَوْ صرتم إلى الموت الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْحَيَاةِ لَأَحْيَاكُمُ اللَّهُ إِذَا شَاءَ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِذَا أراده. وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾: يَعْنِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَا شِئْتُمْ فَكُونُوا فَسَيُعِيدُكُمُ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِكُمْ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا﴾: أَيْ مَنْ يُعِيدُنَا إِذَا كُنَّا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا آخَرَ شَدِيدًا ﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أَيِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا، ثُمَّ صِرْتُمْ بَشَرًا تَنْتَشِرُونَ، فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِكُمْ وَلَوْ صِرْتُمْ إِلَى أَيِّ حَالٍ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عليه﴾ الآية، وقوله تعالى: ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ﴾. قال ابن عباس وقتادة: يحركونها استهزاءً، والإنغاض هُوَ التَّحَرُّكُ مِنْ أَسْفَلَ إِلَى أَعْلَى، أَوْ من أعلى إلى أسفل، يقال نَغَضَتْ سِنُّهُ: إِذَا تَحَرَّكَتْ وَارْتَفَعَتْ مِنْ مَنْبَتِهَا. وقال الرَّاجِزُ: وَنَغَضَتْ مِنْ هَرَمٍ أَسْنَانُهَا.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ متى هُو﴾ إخبار عنهم بِالِاسْتِبْعَادِ مِنْهُمْ لِوُقُوعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ
مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾
، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾ أَيْ احْذَرُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ إِلَيْكُمْ سَيَأْتِيكُمْ لَا محالة، فكل ما هو آت قريب، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ أي الرب تبارك وتعالى، ﴿إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَآ
أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾
: أَيْ إِذَا أَمَرَكُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يُخَالَفُ وَلَا يُمَانَعُ، بَلْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾، ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فيكون﴾، وقوله: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ أَيْ إِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ بِانْتِهَارٍ، فَإِذَا النَّاسُ قَدْ خَرَجُوا مِنْ بَاطِنِ الْأَرْضِ إِلَى ظاهرها، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾: أَيْ تَقُومُونَ كُلُّكُمْ إجابة لأمره وطاعة لإرادته، قال ابن عباس ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾: أي بأمره، وَقَالَ قَتَادَةُ: بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾: أَيْ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْشَةٌ في قبورهم، كأني بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَقُومُونَ مِنْ قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُونَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ» (الرواية الثانية: أخرجها الطبراني عن ابن عمر)، وقوله تعالى ﴿وَتَظُنُّونَ﴾: أَيْ يَوْمَ تَقُومُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ، ﴿إِن لَّبِثْتُمْ﴾ أَيْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ كقوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon