يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ أَنَّ الْمَدِينَةَ زُلْزِلَتْ عَلَى عَهْدِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه مَرَّاتٍ، فَقَالَ عُمَرُ أَحْدَثْتُمْ وَاللَّهِ لَئِنْ عَادَتْ لأفعلن ولأفعلن، وفي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ - ثُمَّ قَالَ - يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أغيرَ مِنَ اللَّهِ إِن يَزْنِيَ عَبْدَهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتَهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا».
- ٦٠ - وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً
يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّضًا لَهُ عَلَى إِبْلَاغِ رِسَالَتِهِ، وَمُخْبِرًا لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ فَإِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي قبضته وتحت قهرة وغلبته. قال مجاهد والحسن
قتادة في قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ أَيْ عَصَمَكَ مِنْهُمْ. قال البخاري، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القرآن﴾ شجرة الزقوم (أخرجه البخاري والإمام أحمد)، ﴿إِلاَّ فِتْنَةً﴾: أَيْ اخْتِبَارًا وَامْتِحَانًا، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الملعونة فهي شجرة الزقوم (أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: لما ذكر الله هذا الزقوم، خوف به هذا الحي من قريش، قال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي خوفكم به محمد؟ قالوا: لا. قال: الثريد بالزبد، أما لئن أمكننا منها لنزقمنها زقماً، فأنزل الله تعالى: ﴿والشجرة الملعونة﴾ الآية، وأنزل:
﴿إن شجرة الزقوم طعام الأثيم﴾)، لما أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى الْجَنَّةَ
وَالنَّارَ، وَرَأَى شَجَرَةَ الزَّقُّومِ فكذبوا بذلك، حتى قال أبو جهل عليه لعائن الله: هاتوا لنا تمراً
وزبداً، وجعل يأكل من هَذَا بِهَذَا وَيَقُولُ: تَزَقَّمُوا فَلَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ غير هذا (روي ذلك عن ابن عباس ومسروق وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ)، وَكُلُّ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ فَسَّرَهُ كَذَلِكَ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، واختار ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، قَالَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ، أَيْ فِي الرُّؤْيَا وَالشَّجَرَةِ، وَقَوْلُهُ ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ﴾: أَيْ الْكَفَّارَ، بِالْوَعِيدِ وَالْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، ﴿فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾: أَيْ تَمَادِيًا فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَذَلِكَ مِنْ خِذْلَانِ اللَّهِ لهم.
- ٦١ - وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا
- ٦٢ - قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا
يذكر تبارك وتعالى عدواة إبليس لعنه الله لآدم وذريته وأنها عدواة قَدِيمَةٌ مُنْذُ خُلِقَ آدَمُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الملائكة بالسجود لآدم فَسَجَدُوا كُلُّهُمْ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ، افْتِخَارًا عَلَيْهِ وَاحْتِقَارًا لَهُ ﴿قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾، وَقَالَ أَيْضًا: أَرَأَيْتَكَ، يَقُولُ لِلرَّبِّ جَرَاءَةً وَكُفْرًا، والرب يحلو وَيَنْظُرُ ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ الآية، قال -[٣٨٧]- ابن عباس ﴿لأَحْتَنِكَنَّ﴾ يَقُولُ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَى ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَأَحْتَوِيَنَّ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَأُضِلَّنَّهُمْ، وَكُلُّهَا متقاربة، والمعنى: أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي شَرَّفْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ عَلَيَّ، لَئِنْ أَنْظَرَتْنِي لَأُضِلَّنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ.


الصفحة التالية
Icon