وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّجَهٌ، وَكُلٌّ مِنَ السَّلَفِ رحمهم الله فسر بعض المشاركة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أهله قال باسم الله، اللهم جنبا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقَتْنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ الشيطان أبداً»، وقوله تعالى: ﴿وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ كَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ إِبْلِيسَ أَنَّهُ يَقُولُ، إِذَا حَصْحَصَ الْحَقُّ يَوْمَ يُقْضَى بِالْحَقِّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ الآية. وقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ إِخْبَارٌ بِتَأْيِيدِهِ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ وَحِفْظِهِ إِيَّاهُمْ وَحِرَاسَتِهِ لهم من الشيطان الرجيم، ولهذا قال تعالى: ﴿وكفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ أي حافظاً ومؤيداً ونصيراً. وفي الحديث: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُنْضِي شَيَاطِينَهُ كَمَا يُنْضِي أَحَدُكُمْ بعيره في السفر» (رواه أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً) يُنْضِي أَيْ يَأْخُذُ بِنَاصِيَتِهِ وَيَقْهَرُهُ.
- ٦٦ - رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ لُطْفِهِ بِخَلْقِهِ فِي تَسْخِيرِهِ لعباده الفلك في البحر وتسهيله لِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، لِابْتِغَائِهِمْ مِنْ فَضْلِهِ فِي التِّجَارَةِ مِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ أَيْ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا بِكُمْ مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتِهِ بِكُمْ.
- ٦٧ - وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنسان كَفُوراً
يخبر تبارك وتعالى إن الناس إذا مسهم ضُرٌّ دَعَوْهُ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، ولهذا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ أَيْ ذَهَبَ عنقلوبكم كل ما تعبدون غير الله تعالى، كَمَا اتُّفِقَ لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ لَمَّا ذَهَبَ فَارًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَتَحَ مَكَّةَ، فَذَهَبَ هَارِبًا فَرَكِبَ فِي الْبَحْرِ لِيَدْخُلَ الْحَبَشَةَ فَجَاءَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْكُمْ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ وَحْدَهُ، فقال عكرمة في نفسه، والله إن كَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَحْرِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللَّهُمَّ لَكَ علي عهد لئن أخرجتني منه لَأَذْهَبْنَ فَلَأَضَعَنَّ يَدِي فِي يَدِ مُحَمَّدٍ فَلَأَجِدَنَّهُ رؤوفاً رَحِيمًا، فَخَرَجُوا مِنَ الْبَحْرِ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسلامه رضي الله عنه وأرضاه، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبِرِّ أَعْرَضْتُمْ﴾ أَيْ نَسِيتُمْ مَا عَرَفْتُمْ مِنْ تَوْحِيدِهِ فِي الْبَحْرِ، وَأَعْرَضْتُمْ عَنْ دُعَائِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً﴾ أَيْ سَجِيَّتُهُ هَذَا، يَنْسَى النِّعَمَ وَيَجْحَدُهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ.
- ٦٨ - أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً
يقول تعالى أفحسبتم بخروجكم إِلَى الْبَرِّ، أَمِنْتُمْ مِنَ انْتِقَامِهِ وَعَذَابِهِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ، أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً، وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي فِيهِ حِجَارَةٌ (قَالَهُ مجاهد وغير واحد من السلف)، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ﴾، وقال: ﴿وأمطرنا عليهم حجارة من طين﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً﴾ أَيْ ناصراً يرد ذلك عنكم وينقذكم منه.