وقد
اختلف المفسرون في المراد بالروح ههنا على أقوال: (أحدها) أن المراد أرواح بني آدم، عن ابن عباس أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ وَكَيْفَ تَعَذَّبُ الرُّوحُ التي في الجسد؟ ولم يكن نزل عليه فيه شيء، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾. فَأَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك. فقالوا: من جاءك بهذا؟ قال: «جَاءَنِي بِهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»، فَقَالُوا له: والله ما قاله لك إلاّ عدونا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قلبك مصدقا بِإِذْنِ الله مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾، وقيل: المراد بالروم ههنا جبريل، قاله قتادة، وقيل: المراد به ههنا، ملك عظيم بقدر المخلوقات كلها.
وقوله تعالى: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾: أَيْ مِنْ شَأْنِهِ، وَمِمَّا اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ دُونَكُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أَيْ وَمَا أَطْلَعَكُمْ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ عَلَى الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ لَا يُحِيطَ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَالْمَعْنَى أَنَّ عِلْمَكُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَهَذَا الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الرُّوحِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِهِ تَعَالَى وَلَمْ يُطْلِعْكُمْ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُطْلِعْكُمْ إِلَّا عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ عِلْمِهِ تَعَالَى. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي قِصَّةِ موسى والخضر، أن الخضر قال: يَا مُوسَى مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا العصفور من هذا البحر، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ، قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَمْ يُجِبْهُمْ عَمَّا سألوا لأنهم سألوا من وجه التعنت، وقيل أجابهم، ثُمَّ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ: الْخِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الرُّوحَ هِيَ النَّفْسُ أَوْ غَيْرُهَا، وَقَرَّرَ: أَنَّهَا ذَاتٌ لَطِيفَةٌ كَالْهَوَاءِ سَارِيَةٌ فِي الْجَسَدِ كسريان الماء في عروق الشجر، وحاصل القول: أن الروح هي أَصْلُ النَّفْسِ وَمَادَّتُهَا، وَالنَّفْسُ مُرَكَّبَةٌ مِنْهَا وَمِنَ اتِّصَالِهَا بِالْبَدَنِ، فَهِيَ هِيَ مَنْ وَجْهٍ، لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ، وَاللَّهُ أعلم.
- ٨٦ - وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا
- ٨٧ - إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا
- ٨٨ - قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا
- ٨٩ - وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا
يَذْكُرُ تَعَالَى نِعْمَتَهُ وَفَضْلَهُ الْعَظِيمَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الكريم صلى الله عليه وسلم، فِيمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ الَّذِي لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، ثُمَّ نبَّه تَعَالَى عَلَى شَرَفِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ كُلُّهُمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ لَمَا أَطَاقُوا ذَلِكَ وَلَمَا اسْتَطَاعُوهُ، وَلَوْ تَعَاوَنُوا وَتَسَاعَدُوا وَتَظَافَرُوا فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُسْتَطَاعُ، وَكَيْفَ يُشْبِهُ كَلَامُ الْمَخْلُوقِينَ كَلَامَ الْخَالِقِ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا مثال ولا عديل؟ وقوله: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ﴾ الآية، أَيْ بَيَّنَّا لَهُمُ الْحُجَجَ، وَالْبَرَاهِينَ الْقَاطِعَةَ، ووضَّحنا لَهُمُ الْحَقَّ وَشَرَحْنَاهُ وَبَسَطْنَاهُ، وَمَعَ هَذَا ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي جحوداً للحق، ورداً للصواب.
- ٩٠ - وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا
- ٩١ - أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا
- ٩٢ - أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً
- ٩٣ - أَوْ يَكُونَ لَكَ


الصفحة التالية
Icon