يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ﴿آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا﴾ أَيْ سَوَاءٌ آمَنْتُمْ بِهِ أَمْ لَا، فَهُوَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ أنزله الله، ونّوه بذكره فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى رُسُلِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ﴾ أَيْ من صالحي أهل الكتاب الذين تمسكوا بكتابهم وَلَمْ يُبَدِّلُوهُ وَلَا حَرَّفُوهُ ﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ هَذَا الْقُرْآنُ ﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ﴾ جَمْعُ ذَقْنٍ، وَهُوَ أَسْفَلُ الْوَجْهِ ﴿سُجَّداً﴾ أَيْ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، شكراً على ما أنعم به عليهم، وَلِهَذَا يَقُولُونَ ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَآ﴾ أَيْ تَعْظِيمًا وَتَوْقِيرًا عَلَى قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، ولهذا قالوا: ﴿إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾ أَيْ خُضُوعًا لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، وإيماناً وتصديقاً بكتابه ورسوله، ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾ أَيْ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا، كَمَا قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾.
- ١١٠ - قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا
- ١١١ - وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ صِفَةَ الرَّحْمَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الْمَانِعِينَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِالرَّحْمَنِ، ﴿ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الحسنى﴾ أي لا فرق بين دعائكم به بِاسْمِ ﴿اللَّهِ﴾ أَوْ بِاسْمِ ﴿الرَّحْمَنِ﴾ فَإِنَّهُ ذُو الأسماء الحسنى، كما قال تعالى: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، يُسَبِّحُ لَّهُ مَا فِي السموات والأرض﴾ الآية. وَقَدْ رَوَى مَكْحُولٌ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ»، فَقَالَ إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَدْعُو وَاحِدًا وَهُوَ يَدْعُو اثْنَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ (أخرج البخاري عن ابن عباس قال: نزلت ورسول الله متخف بمكة، وكان إذا صلى بأصحابه ورفع صوته بالقرآن، فكان المشركون إذا سمعوا القرآن سبوه ومن أنزله ومن جاء به فنزلت. وأخرج البخاري أيضاً عن عائشة: أنها نزلت في الدعاء، وأخرج ابن جرير مثله، ثم رجح الأول لأنها أصح سنداً، وكذا رجحها النووي وغيره، وقال الحافظ ابن حجر: لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة. وأخرج ابن جري والحاكم عن عائشة: أنها نزلت في التشهد، وهي مبينة لمرادها في الرواية السابقة)، وقوله: ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ﴾، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ورسول الله ﷺ مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾: قَالَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَسَبُّوا مَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، قَالَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ﴾: أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ المشركون فيسبون الْقُرْآنَ، ﴿وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾ عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى يَأْخُذُوهُ عَنْكَ، ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً﴾ (أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن ابن عباس). وقال محمد بن إسحاق عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَهَرَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَأَبَوْا أَنْ يَسْمَعُوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ مَا يَتْلُو وَهُوَ يُصَلِّي، اسْتَرَقَ