يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَمَالَأَهُمْ عَلَى ظلمهم فليس مني ولست مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُمَالِئْهُمْ على ظلمهم فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَلَا وَإِنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ والله أكبر من الباقيات الصالحات» (أخرجه الإمام أحمد في المسند). وقال ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ قَالَ: هِيَ ذِكْرُ اللَّهِ، قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَتَبَارَكَ الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَالصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ وَالْجِهَادُ وَالصِّلَةُ وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْحَسَنَاتِ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ الَّتِي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السماوات والأرض، وعنه: هي الْكَلَامُ الطَّيِّبُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ كُلُّهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
- ٤٧ - وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا
- ٤٨ - وَعُرِضُواْ عَلَى رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً
- ٤٩ - وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا ويلتنا ما لهذا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْوَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً﴾: أَيْ تَذْهَبُ مِنْ أَمَاكِنِهَا وَتَزُولُ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال قل يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾، يذكر تَعَالَى إِنَّهُ تَذْهَبُ الْجِبَالُ وَتَتَسَاوَى الْمِهَادُ، وَتَبْقَى الْأَرْضُ قَاعًا صَفْصَفًا، أَيْ سَطْحًا مُسْتَوِيًا لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا أَمْتًا، أَيْ لَا وَادِيَ وَلَا جَبَلَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ أَيْ بَادِيَةً ظَاهِرَةً، لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ وَلَا مَكَانٌ يُوَارِي أَحَدًا، بَلِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ ضَاحُونَ لِرَبِّهِمْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾: لا حجر فيها ولا غيابة، وقال قَتَادَةُ: لَا بِنَاءَ وَلَا شَجَرَ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ أَيْ وَجَمَعْنَاهُمْ الْأَوَّلِينَ مِنْهُمْ وَالْآخَرِينَ، فَلَمْ نَتْرُكْ مِنْهُمْ أَحَدًا لَا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا. كَمَا قَالَ: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾، وَقَالَ: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَعُرِضُواْ عَلَى رَبِّكَ صَفَّاً﴾ يُحْتَمَلُ أَنْ يكون المراد أم جَمِيعَ الْخَلَائِقِ يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ صَفًّا واحداً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ صُفُوفًا صُفُوفًا، كَمَا قَالَ: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صفا صفا﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ هَذَا تَقْرِيعٌ لِلْمُنْكِرِينَ لِلْمَعَادِ، وَتَوْبِيخٌ لَهُمْ عَلَى رؤوس الأشهاد، ولهذا قال تعالى مُخَاطِبًا لَهُمْ: ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً﴾ أَيْ مَا كَانَ ظَنُّكُمْ أَنَّ هَذَا وَاقِعٌ بِكُمْ، وَلَا أَنَّ هَذَا كَائِنٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ أَيْ كِتَابُ الْأَعْمَالِ، الَّذِي فِيهِ الْجَلِيلُ وَالْحَقِيرُ، وَالْفَتِيلُ وَالْقِطْمِيرُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، ﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ أَيْ مِنْ أَعْمَالِهِمُ السيئة، وأفعالهم القبيحة، ﴿ويقولون يا ويلتنا﴾ أَيْ يَا حَسْرَتَنَا وَوَيْلَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِي أعمارنا، ﴿ما لهذا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ أَيْ لَا يَتْرُكُ ذَنْبًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا وَلَا عَمَلًا