فَجَاءَ وَنَسِيَ الرَّجُلُ فَظَلَّ بِهِ إِسْمَاعِيلُ، وَبَاتَ حَتَّى جَاءَ الرَّجُلُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا برحت من ههنا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إِنِّي نَسِيتُ، قَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَبْرَحَ حَتَّى تَأْتِيَنِي، فَلِذَلِكَ ﴿كَانَ صَادِقَ الوعد﴾، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَبَقِيَتْ لَهُ عليَّ بَقِيَّةٌ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ، قَالَ فَنَسِيتُ يَوْمِي وَالْغَدَ، فَأَتَيْتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: «يا فتى لقد شققت عليّ أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ ﴿صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ لِأَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصابرين﴾ فَصَدَقَ فِي ذَلِكَ، فصدقُ الْوَعْدِ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ، كَمَا أَنَّ خُلْفَهُ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حدَّث كَذَبَ، وَإِذَا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي عن أبي هريرة)، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ، كَانَ التَّلَبُّسُ بِضِدِّهَا مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا أَثْنَى اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ إِسْمَاعِيلَ بِصِدْقِ الْوَعْدِ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقَ الْوَعْدِ أَيْضًا، لَا يَعِدُ أَحَدًا شَيْئًا إِلَّا وَفَّى لَهُ بِهِ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ زَوْجِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ فقال: «حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي».
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً﴾ فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى شَرَفِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى أَخِيهِ إِسْحَاقَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وُصِفَ بِالنُّبُوَّةِ فَقَطْ، وَإِسْمَاعِيلُ وُصِفَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ» وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، فَدَلَّ
عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾، هَذَا أَيْضًا مِنَ الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ وَالصِّفَةِ الْحَمِيدَةِ وَالْخِلَّةِ السَّدِيدَةِ، حَيْثُ كَانَ صابراً على طاعة ربه عز وجل، آمِرًا بِهَا لِأَهْلِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عليها﴾ الآية. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ). وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ الله كثيراً والذكرات» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ له).
- ٥٦ - وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نبياً
- ٥٧ - وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً
ذِكْرُ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ كَانَ صدِّيقاً نَّبِيّاً، وَأَنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ مَكَانًا عَلِيًّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بِهِ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، وَهُوَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ. وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ خَيَّاطًا فَكَانَ لَا يَغْرِزُ إِبْرَةً إِلَّا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَكَانَ يُمْسِي حِينَ يُمْسِي وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ أحد أفضل عملاً منه، وقال مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾ قَالَ: إِدْرِيسُ رُفِعَ وَلَمْ يَمُتْ كَمَا رُفِعَ عِيسَى. وقال سفيان، عن مجاهد ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾ قال: السماء الرابعة، وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾ قَالَ: الْجَنَّةُ.