يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ أَيْ بِخِلَافِ ما ظنوا فيهم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾، وَقَالَ السُّدِّيُّ ﴿كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾: أَيْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ أَيْ بِخِلَافِ ما رجوا منهم. وقال ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ قَالَ: أَعْوَانًا، قَالَ مُجَاهِدٌ: عَوْنًا عَلَيْهِمْ تُخَاصِمُهُمْ وَتُكَذِّبُهُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: قُرَنَاءَ فِي النَّارِ، يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ويكفر بعضهم ببعض، وَقَالَ الضَّحَّاكُ ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ قَالَ: أَعْدَاءً. وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً﴾ قال ابْنِ عَبَّاسٍ: تُغْوِيهِمْ إِغْوَاءً، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنْهُ: تُحَرِّضُهُمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تُشْلِيهِمْ إِشْلَاءً، وَقَالَ قَتَادَةُ: تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تُغْرِيهِمْ إِغْرَاءً وَتَسْتَعْجِلُهُمُ استعجالاً، وقال السدي: تطغيهم طيغاناً، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ أَيْ لَا تَعْجَلْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي وُقُوعِ الْعَذَابِ بِهِمْ، ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ أَيْ إِنَّمَا نُؤَخِّرُهُمْ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ومضبوط، وَهُمْ صَائِرُونَ لَا مَحَالَةَ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ ونكاله، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾، ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لي ليزداوا إثما﴾، ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾، ﴿قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار﴾، وقال السُّدِّيُّ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ السِّنِينَ وَالشُّهُورَ والأيام والساعات، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ قَالَ: نعد أنفاسهم في الدينا.
- ٨٥ - يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً
- ٨٦ - وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا - ٨٧ - لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ خَافُوهُ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، وَاتَّبَعُوا رُسُلَهُ، وَصَدَّقُوهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ وأطاعوهم فينا أمروهم به، وانتهوا عما زَجَرُوهُمْ أَنَّهُ يَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفْدًا إِلَيْهِ، وَالْوَفْدُ هُمُ الْقَادِمُونَ رُكْبَانًا وَمِنْهُ الْوُفُودُ، وَرُكُوبُهُمْ عَلَى نَجَائِبَ مِنْ نُورٍ مِنْ مَرَاكِبِ الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهُمْ قَادِمُونَ عَلَى خَيْرِ مَوْفُودٍ إِلَيْهِ إِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَأَمَّا الْمُجْرِمُونَ الْمُكَذِّبُونَ الْمُخَالِفُونَ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يُسَاقُونَ عُنْفًا إِلَى النَّارِ ﴿وِرْداً﴾ عطاشاً (قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد)، وقال ابن أبي حاتم، عَنِ ابْنِ مَرْزُوقٍ ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً﴾ قَالَ: يَسْتَقْبِلُ الْمُؤْمِنَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ قَبْرِهِ أَحْسَنُ صُورَةٍ رَآهَا وَأَطْيَبُهَا رِيحًا، فَيَقُولُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ طَيَّبَ رِيحَكَ وَحَسَّنَ وَجْهَكَ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ وَهَكَذَا كُنْتَ فِي الدُّنْيَا حَسَنَ الْعَمَلِ طَيِّبَهُ، فَطَالَمَا رَكِبْتُكَ فِي الدُّنْيَا، فَهَلُمَّ ارْكَبْنِي فَيَرْكَبُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً﴾ (أخرجه ابن أبي حاتم)، قال ابن عباس: ركباناً، وقال أبو هُرَيْرَةَ ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً﴾ قال: على الإبل. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَلَى الْإِبِلِ النُّوقِ، وَقَالَ قَتَادَةُ ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً﴾ قَالَ: إلى الجنة، عن ابن النعمان بن سعيد قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {يَوْمَ