خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كُفْرِ فِرْعَوْنَ وَعِنَادِهِ وَبَغْيِهِ، وَمُكَابَرَتِهِ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ حِينَ رَأَى مَا رَأَى مِنَ الْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَةِ، وَالْآيَةِ الْعَظِيمَةِ، وَرَأَى الَّذِينَ قَدِ اسْتَنْصَرَ بِهِمْ قَدْ آمَنُوا بِحَضْرَةِ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَغُلِبَ كُلَّ الْغَلَبِ، شَرَعَ فِي الْمُكَابَرَةِ وَالْبَهْتِ، وَعَدَلَ إِلَى اسْتِعْمَالِ جاهه وسلطانه في السحرة فتهددهم وتوعدهم، وَقَالَ ﴿آمَنتُمْ لَهُ﴾ أَيْ صَدَّقْتُمُوهُ ﴿قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ أي وما أمرتكم بذلك، واتفقتم عَلَيَّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ قَوْلًا يَعْلَمُ هُوَ وَالسَّحَرَةُ وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ أَنَّهُ بَهْتٌ وَكَذِبٌ ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ أَيْ أَنْتُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُ السِّحْرَ عَنْ مُوسَى، وَاتَّفَقْتُمْ أَنْتُمْ وَإِيَّاهُ عليّ وعلى رعيتي لتظهروه، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾، ثُمَّ أَخَذَ يَتَهَدَّدُهُمْ فَقَالَ: ﴿فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ أَيْ لأجعلنكم مثلة، ولأقتلنكم ولأشهرنكم. ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾ أَيْ أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي وَقُومِي عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنْتُمْ مَعَ مُوسَى وَقَوْمِهِ عَلَى الْهُدَى، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَكُونُ لَهُ الْعَذَابُ
وَيَبْقَى فِيهِ، فَلَمَّا صَالَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ، هَانَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ فِي الله عزَّ وجلَّ ﴿قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ أَيْ لَنْ نَخْتَارَكَ عَلَى مَا حَصَلَ لنا من الهدى واليقين ﴿والذي فَطَرَنَا﴾ يَعْنُونَ لَا نَخْتَارُكَ عَلَى فَاطِرِنَا وَخَالِقِنَا الَّذِي أَنْشَأْنَا مِنَ الْعَدَمِ، الْمُبْتَدِئِ خَلْقَنَا مِنَ الطِّينِ، فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ لَا أَنْتَ ﴿فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ﴾ أَيْ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ، وَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ يَدُكَ ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أَيْ إِنَّمَا لَكَ تَسَلُّطٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَهِيَ دَارُ الزَّوَالِ، وَنَحْنُ قَدْ رَغِبْنَا فِي دَارِ الْقَرَارِ، ﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ أَيْ مَا كَانَ مِنَّا مِنَ الْآثَامِ، خُصُوصًا مَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر، لتعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيّه. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ قَالَ: أَخَذَ فرعون أربعون غُلَامًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَمَرَ أَنْ يُعَلَّمُوا السحر بالفرماء، وَقَالَ عَلِّمُوهُمْ تَعْلِيمًا لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَهُمْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ بموسى، وهم مِنَ الذين قالوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عليه من السحر﴾ (رواه ابن أبي حاتم). وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ أَيْ خَيْرٌ لَنَا مِنْكَ ﴿وَأَبْقَى﴾ أَيْ أَدْوَمُ ثَوَابًا مِمَّا كُنْتَ وعدتنا ومنيتنا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ﴾: أَيْ لَنَا مِنْكَ إِنْ أُطِيعَ ﴿وَأَبْقَى﴾: أَيْ منك عذاباً إن عصي، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ صَمَّمَ عَلَى ذلك وفعله بهم رحمة لَهُم مِّنَ اللَّهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السلف: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء بررة.
- ٧٤ - إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى
- ٧٥ - وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدرجات العلى
- ٧٦ - جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّى
الظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ مَا وَعَظَ بِهِ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ، يُحَذِّرُونَهُ مِنْ نِقْمَةِ اللَّهِ وعذابه الدائم