حكيم حميد، الذي لم يعط نبي من الأنبياء كِتَابًا مِثْلَهُ، وَلَا أَكْمَلَ مِنْهُ وَلَا أَجْمَعَ لِخَبَرِ مَا سَبَقَ وَخَبَرِ مَا هُوَ كَائِنٌ منه، وقوله تَعَالَى: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ أَيْ كَذَّبَ بِهِ وَأَعْرَضَ عَنِ اتِّبَاعِهِ أَمْرًا وَطَلَبًا، وَابْتَغَى الْهُدَى من غَيْرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً﴾ أَيْ إِثْمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ، كَمَا قال: ﴿لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بلغ﴾، فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ، وَدَاعٍ، فَمَنِ اتَّبَعَهُ هُدِيَ، وَمَنْ خَالَفَهُ وَأَعْرَضَ عنه ضل وشقي في الدينا، وَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ﴾ أَيْ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ وَلَا انْفِكَاكَ، ﴿وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً﴾ أَيْ بِئْسَ الْحِمْلُ حِمْلُهُمْ.
- ١٠٢ - يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقًا
- ١٠٣ - يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا
- ١٠٤ - نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً
ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الصُّورِ فَقَالَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فيه». وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَانْتَظَرَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا»، وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً﴾، قِيلَ مَعْنَاهُ زُرْقُ الْعُيُونِ، مِنْ شِدَّةِ ما هو فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ،
﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَسَارُّونَ بَيْنَهُمْ، أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ﴿إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً﴾ أَيْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، لَقَدْ كَانَ لُبْثُكُمْ فِيهَا قَلِيلًا عَشَرَةُ أَيْامٍ أَوْ نَحْوُهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾: أَيْ فِي حَالِ تَنَاجِيهِمْ بَيْنَهُمْ، ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾: أَيِ الْعَاقِلُ الْكَامِلُ فِيهِمْ ﴿إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً﴾: أَيْ لِقِصَرِ مُدَّةِ الدُّنْيَا فِي أَنْفُسِهِمْ يَوْمَ الْمَعَادِ، لِأَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ أَوْقَاتُهَا وَتَعَاقَبَتْ لياليها وأيامها وساعاتها كأنها يوم واحد، وكان غرضهم دَرْءَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِقِصَرِ الْمُدَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لبثوا غير ساعة﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النذير﴾ الآية. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسأل العادين﴾ ولو كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَآثَرْتُمُ الْبَاقِيَ عَلَى الْفَانِي وَلَكِنْ تصرفتم فأسأتم التصرف.
- ١٠٥ - وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً
- ١٠٦ - فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً
- ١٠٧ - لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتًا
- ١٠٨ - يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا
يَقُولُ تَعَالَى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾ أَيْ هَلْ تَبْقَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ تَزُولُ؟ ﴿فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾ أَيْ يُذْهِبُهَا عَنْ أَمَاكِنِهَا ويمحقها ويسيرها تسييراً (أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قالت قريش: يا محمد كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة، فنزلت الآية) ﴿فَيَذَرُهَا﴾ أَيِ الْأَرْضَ ﴿قَاعًا صَفْصَفًا﴾ أَيْ بِسَاطًا واحداً، والقاع