ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، قال ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَنَبْلُوكُمْ﴾ يَقُولُ: نَبْتَلِيكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالصِّحَّةِ والسَّقَم، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ فَنُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ.
- ٣٦ - وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ
- ٣٧ - خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ
يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَأَبِي جَهْلٍ وَأَشْبَاهِهِ ﴿إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً﴾ أَيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِكَ، وينتقصونك؟؟؟ (أخرج ابن أبي حاتم: عن السدي قَالَ: مرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي جهل وأبي سفيان وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك، وقال: ما أراك منتهياً حتى يصيبك مَآ أَصَابَ مِن غيَّر عهده، فنزلت: ﴿وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا﴾ الآية)، يَقُولُونَ ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾؟ يَعْنُونُ أَهَذَا الَّذِي يَسُبُّ آلِهَتَكُمْ وَيُسَفِّهُ أَحْلَامَكُمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ أَيْ وَهُمْ كَافِرُونَ بِاللَّهِ وَمَعَ هَذَا يَسْتَهْزِئُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يتخذوك إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾؟ وقوله: ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾ كقوله: ﴿وَكَانَ الإنسان عَجُولاً﴾ أي في الأمور، والحكمة في ذكر عجلة الإنسان ههنا، أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَعَ فِي النُّفُوسِ سُرْعَةُ الِانْتِقَامِ منهم واستعجلت ذلك، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ لِأَنَّهُ تَعَالَى يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، يُؤَجِّلُ ثُمَّ يُعَجِّلُ، وَيُنْظِرُ ثُمَّ لا يؤخر، ولهذا قال: ﴿سأريكم آيَاتِي﴾ أَيْ نَقْمِي وَحُكْمِي وَاقْتِدَارِي عَلَى مَنْ عَصَانِي ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾.
- ٣٨ - وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
- ٣٩ - لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
- ٤٠ - بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَسْتَعْجِلُونَ أَيْضًا بِوُقُوعِ الْعَذَابِ بهم، تكذبياً وجحوداً وكفراً وعناداً فَقَالَ: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ﴾ أَيْ لَوْ تَيَقَّنُوا أَنَّهَا واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ حِينَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴿لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ﴾، فَالْعَذَابُ مُحِيطٌ بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ أَيْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً﴾ أَيْ تَأْتِيهِمُ النَّارُ بَغْتَةً أَيْ فَجْأَةً، ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾