- ٥٩ - قَالُواْ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ
- ٦٠ - قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
- ٦١ - قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
- ٦٢ - قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ
- ٦٣ - قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يَنْطِقُونَ
ثُمَّ أَقْسَمَ الْخَلِيلُ قَسَمًا أَسْمَعَهُ بَعْضَ قَوْمِهِ لَيَكِيدَنَّ أَصْنَامَهُمْ، أَيْ ليحرضن عَلَى أَذَاهُمْ وَتَكْسِيرِهِمْ بَعْدَ أَنْ يُوَلُّوا مُدْبِرِينَ أَيْ إِلَى عِيدِهِمْ، وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ، قَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا اقْتَرَبَ وَقْتُ ذَلِكَ الْعِيدِ قَالَ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ لَوْ خَرَجْتَ مَعَنَا إِلَى عِيدِنَا لَأَعْجَبَكَ دِينُنَا، فَخَرَجَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَلْقَى نَفْسَهُ إِلَى الْأَرْضِ وَقَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ، فَجَعَلُوا يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيعٌ فَيَقُولُونَ: مَهْ، فَيَقُولُ: إِنِّي سَقِيمٌ، فَلَمَّا جَازَ عَامَّتُهُمْ وَبَقِيَ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: ﴿تَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾، فسمعه أولئك. وقال ابن إسحاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى عِيدِهِمْ مَرُّوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا إِبْرَاهِيمُ أَلَا تَخْرُجُ مَعَنَا؟ قَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ وَقَدْ كَانَ بِالْأَمْسِ قَالَ: ﴿تَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ﴾ فَسَمِعَهُ نَاسٌ مِنْهُمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً﴾ أَيْ حُطَامًا كَسَّرَهَا كُلَّهَا ﴿إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ﴾ يَعْنِي إِلَّا الصَّنَمَ الْكَبِيرَ عِنْدَهُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ ذَكَرُوا أَنَّهُ وَضَعَ الْقَدُومَ فِي يَدِ كَبِيرِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي غَارَ لِنَفْسِهِ، وَأَنِفَ أَنْ تُعْبَدَ مَعَهُ هَذِهِ الْأَصْنَامُ الصِّغَارُ فَكَسَّرَهَا، ﴿قَالُواْ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾؟ أَيْ حِينَ رَجَعُوا وَشَاهَدُوا مَا فَعَلَهُ الْخَلِيلُ بِأَصْنَامِهِمْ، مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ إِلَهِيَّتِهَا، وَعَلَى سَخَافَةِ عُقُولِ عَابِدِيهَا، ﴿قَالُواْ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أَيْ فِي صنعيه هَذَا، ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ أَيْ قَالَ مَنْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَيَكِيدَنَّهُمْ ﴿سَمِعْنَا فَتًى﴾ أَيْ شَابًّا يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ له إبراهيم. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا شَابًّا وَلَا أُوتِيَ الْعَلَمَ عَالِمٌ إِلَّا
وَهُوَ شَابٌّ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ له إبراهيم﴾ (أخرجه ابن أبي حاتم). وَقَوْلُهُ: ﴿قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ أي على رؤوس الْأَشْهَادِ فِي الْمَلَإِ الْأَكْبَرِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ كُلِّهِمْ، هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم عليه السلام، إن يبين فِي هَذَا الْمَحْفِلِ الْعَظِيمِ كَثْرَةُ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةُ عقلهم، في عبادة الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا ضَرًّا وَلَا تَمْلِكُ لَهَا نَصْرًا، فَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ ﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ يَعْنِي الَّذِي تَرَكَهُ لَمْ يَكْسِرْهُ، ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ﴾، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا أَنْ يبادورا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ فَيَعْتَرِفُوا أَنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ، وأن هَذَا لَا يَصْدُرُ عَنْ هَذَا الصَّنَمِ لِأَنَّهُ جماد.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكْذِبْ غَيْرَ ثَلَاثٍ: ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، قَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾. قَالَ: وَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ فِي أَرْضِ جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَمَعَهُ (سَارَةُ) إِذْ نَزَلَ مَنْزِلًا، فَأَتَى الْجَبَّارَ رَجُلٌ فَقَالَ: أنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه، فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال: أُخْتِي، قَالَ: فَاذْهَبْ فَأَرْسِلْ بِهَا إِلَيَّ، فَانْطَلَقَ