فَقَالُوا: ﴿حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ فَجَمَعُوا حَطَبًا كَثِيرًا جِدًّا، قَالَ السُّدِّيُّ: حَتَّى إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَمْرَضُ فَتَنْذُرُ إِنْ عُوفِيَتْ أَنْ تَحْمِلَ حَطَبًا لِحَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ جَعَلُوهُ في جَوَبة (حفرة من من الأرض) مِنَ الْأَرْضِ وَأَضْرَمُوهَا نَارًا فَكَانَ لَهَا شَرَرٌ عظيم ولهب مرتفع لم توقد نار قط مِثْلُهَا، وَجَعَلُوا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كِفَّةِ الْمَنْجَنِيقِ بِإِشَارَةِ رَجُلٍ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسَ مِنَ الأكراد، فَلَمَّا أَلْقَوْهُ قَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، روى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ﴿حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ في النار، وقالها محمد عليهما السلام حِينَ قَالُوا: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوكيل»، وروى الحافظ أبو يعلى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّارِ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ وَأَنَا فِي الْأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ"، وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا جَعَلُوا يُوثِقُونَهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ لَكَ الْحَمْدُ ولك الملك لا شريك لك، وكان عمره إذ ذاك ستة عشرة سنة.
وَذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ عَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ فِي الْهَوَاءِ، فَقَالَ: أَلِكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: أما إليك فلا، وأما من الله فلي. ويروى عن ابن عباس قَالَ: لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ جَعَلَ خَازِنُ الْمَطَرِ يَقُولُ: مَتَى أُومَرُ بِالْمَطَرِ فَأَرْسِلُهُ، قَالَ: فَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ أَسْرَعَ مِنْ أَمْرِهِ، قَالَ اللَّهُ: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، قَالَ: لَمْ يَبْقَ نَارٌ فِي الْأَرْضِ إِلَّا طفئت، وقال كعب الأحبار: لم تُحْرِقِ النَّارُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ سِوَى وِثَاقِهِ، وَقَالَ ابن عباس: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قَالَ: ﴿وَسَلَامًا﴾ لآذى إبراهيم بردها، وقال أبو هريرة: إِنَّ أَحْسَنَ شَيْءٍ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ لَمَّا رُفِعَ عَنْهُ الطَّبَقُ وَهُوَ فِي النَّارِ وَجَدَهُ يَرْشَحُ جَبِينُهُ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: نِعْمَ الرَّبُّ ربك يا إبراهيم (رواه أبو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأخرجه ابن أبي حاتم). وقال قتادة: لم يأت يؤمئذ دَابَّةٌ إِلَّا أَطْفَأَتْ عَنْهُ النَّارَ إِلَّا الوَزَغ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بقتله وسماه فويسقا، وعن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا تُطْفِئُ النَّارَ غَيْرَ الْوَزَغِ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ»، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ (أخرجه ابن أبي حاتم وفي بعض الروايات أن امرأة دخلت على عائشة فوجدت عندها رمحاً فقالت: مَا
تَصْنَعِينَ بِهَذَا الرُّمْحِ؟ فَقَالَتْ: نَقْتُلُ بِهِ الأوزاغ، وذكرت الحديث)، وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾، أَيِ الْمَغْلُوبِينَ الْأَسْفَلِينَ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ كَيْدًا، فَكَادَهُمُ اللَّهُ وَنَجَّاهُ مِنَ النَّارِ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ، وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ جَاءَ مَلِكُهُمْ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ فَوَقَعَتْ عَلَى إِبْهَامِهِ فَأَحْرَقَتْهُ مِثْلَ الصُّوفَةِ.
- ٧١ - وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
- ٧٢ - وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ
- ٧٣ - وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ
- ٧٤ - وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ
- ٧٥ - وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ سَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ نَارِ قَوْمِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، مُهَاجِرًا إِلَى بلاد الشام