الله سبحانه وتعالى ما ألقى الشيطان (قال السيوطي بعدما ذكر هذه الروايات في اللباب: وكلها إما ضعيفة وإما منقطعة، قال الحافظ ابن حجر: لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلاً، وقال ابن العربي: إن هذه الروايات باطلة لا أصل لها)؛ وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَسَخَ جِبْرِيلُ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ أي بما يكون من الأمور والحوداث لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ﴿حَكِيمٌ﴾ أَيْ فِي تَقْدِيرِهِ وَخَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، لَهُ الْحِكْمَةُ التَّامَّةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ أَيْ شَكٌّ وَشِرْكٌ وَكُفْرٌ وَنِفَاقٌ كَالْمُشْرِكِينَ حِينَ فَرِحُوا بِذَلِكَ واعتقدوا أنه صحيح من عند الله وَإِنَّمَا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، ﴿وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ هم المشركون، وقال مقاتل بن حيان: هم الْيَهُودُ، ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ أَيْ فِي ضَلَالٍ وَمُخَالَفَةٍ وَعِنَادٍ بَعِيدٍ أَيْ مِنَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ﴾ أَيْ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ النَّافِعَ الَّذِي يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الحق والباطل، والمؤمنون بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّ مَا أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ، هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ الَّذِي أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَحِفْظِهِ، وَحَرَسَهُ أَنْ يَخْتَلِطَ بِهِ غَيْرُهُ، بَلْ هُوَ كتاب عَزِيزٌ ﴿لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿فَيُؤْمِنُواْ بِهِ﴾ أَيْ يُصَدِّقُوهُ وَيَنْقَادُوا لَهُ ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ أي تخضع وتذل لَهُ قُلُوبُهُمْ، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُرْشِدُهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ وَيُوَفِّقُهُمْ لِمُخَالَفَةِ الْبَاطِلِ وَاجْتِنَابِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ يَهْدِيهِمْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُوصِلِ إِلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّاتِ، وَيُزَحْزِحُهُمْ عَنِ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَالدَّرَكَاتِ.
- ٥٥ - وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ
- ٥٦ - الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ
- ٥٧ - وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ فِي ﴿مِرْيَةٍ﴾ أَيْ فِي شَكٍّ وَرَيْبٍ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ زَيْدٍ ﴿مِّنْهُ﴾ أَيْ مِمَّا أَلْقَى الشَّيْطَانُ، ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: فَجْأَةً، وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿بَغْتَةً﴾ بَغَتَ الْقَوْمَ أَمْرُ اللَّهِ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ قوماً إِلَّا عِنْدَ سَكْرَتِهِمْ وَغَرَّتِهِمْ وَنِعْمَتِهِمْ، فَلَا تَغْتَرُّوا بِاللَّهِ، إِنَّهُ لَا يَغْتَرُّ بِاللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ، وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ قال ابن أبي كعب: هو يوم بدر؛ وقال عكرمة ومجاهد: هُوَ يَوْمَ القيامة لا ليل له، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُوعِدُوا بِهِ لَكِنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾، كَقَوْلِهِ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عسيرا﴾ ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ أَيْ آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَصَدَّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَمِلُواْ بِمُقْتَضَى مَا عَلِمُوا مع توافق قلوبهم وأقوالهم ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ أَيْ لَهُمُ النَّعِيمُ الْمُقِيمُ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ وَلَا يَبِيدُ، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآياتِنَا﴾ أَيْ كَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ بالحق وجحدته، وَكَذَّبُوا بِهِ وَخَالَفُوا الرُّسُلَ، وَاسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِهِمْ، ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ أَيْ