السبع وما بينهنَّ وما فيهن فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَإِنَّ الْكُرْسِيَّ بِمَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْشِ كتلك الحلقة في تلك الفلاة»، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ عَرْشًا لِارْتِفَاعِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي الْعَرْشِ إلا كحلقة في أرض فلاة، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْعَرْشُ لَا يَقْدِرُ قدره أحد إلا الله عزَّ وجلَّ. ولهذا قال ههنا: ﴿ورب العرش العظيم﴾ أي الكبير، وقال آخِرِ السُّورَةِ ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ أَيِ الْحَسَنِ الْبَهِيِّ فَقَدْ جَمَعَ الْعَرْشُ بَيْنَ الْعَظَمَةِ فِي الاتساع، والعلو والحسن الباهر، قال ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، نُورُ الْعَرْشِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ، وَقَوْلُهُ: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أَيْ إِذَا كُنْتُمْ تَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابَهُ وَتَحْذَرُونَ عَذَابَهُ في عبادتكم معه غيره وإشراككم به؟
قوله: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أَيْ بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ﴾ أَيْ مُتَصَرِّفٌ فِيهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بيده»، وكان إذا اجتهد باليمين قَالَ: «لَا وَمُقَلِّبَ الْقُلُوبِ»، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْخَالِقُ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ، ﴿وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ كَانتِ الْعَرَبُ إِذَا كَانَ السيد فيهم أجار أَحَدًا لَا يُخْفَرُ فِي جِوَارِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ دُونَهُ أَنْ يُجِيرَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَفْتَاتَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ أَيْ وَهُوَ السَّيِّدُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ، الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَلَا معقب لحكمه، ﴿لاَ يُسْأَلُ عما يفعل وهم يسألون﴾، ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ أَيْ سَيَعْتَرِفُونَ أَنَّ السَّيِّدَ الْعَظِيمَ الَّذِي يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ أَيْ فَكَيْفَ تَذْهَبُ عُقُولُكُمْ فِي عِبَادَتِكُمْ مَعَهُ غَيْرَهُ مَعَ اعْتِرَافِكُمْ وَعِلْمِكُمْ بِذَلِكَ؟ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ﴾ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَقَمْنَا الْأَدِلَّةَ الصَّحِيحَةَ الْوَاضِحَةَ الْقَاطِعَةَ عَلَى ذَلِكَ، ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أَيْ فِي عِبَادَتِهِمْ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ فالمشركون إنما يَفْعَلُونَ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِآبَائِهِمْ وَأَسْلَافِهِمُ الْحَيَارَى الْجُهَّالِ كما قال الله عنهم ﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾.
- ٩١ - مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
- ٩٢ - عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
يُنَزِّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ والتصرف والعبادة، فقال تَعَالَى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أَيْ لَوْ قُدِّرَ تَعَدُّدُ الْآلِهَةِ، لَانفَرَدَ كُلٌّ منهم بما خلق، فَمَا كَانَ يَنْتَظِمُ الْوُجُودُ، وَالْمُشَاهَدُ أَنَّ الْوُجُودَ منتظم متسق، غَايَةِ الْكَمَالِ ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ﴾، ثُمَّ لَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَطْلُبُ قَهْرَ الْآخَرِ وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض، والمتكلمون عبروا عَنْهُ بِدَلِيلِ (التَّمَانُعِ) وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ صانعان فصاعداً فأراد واحد تحرريك جسم والآخر أراد سُكُونَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ منهما كانا عاجزين، وَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ مُرَادَيْهِمَا لِلتَّضَادِّ، وَمَا جَاءَ هَذَا الْمُحَالُ إِلَّا مِنْ فَرْضِ التَّعَدُّدِ فَيَكُونُ مُحَالًا؛ فَأَمَّا إِنْ حَصَلَ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْوَاجِبُ، وَالْآخِرُ الْمَغْلُوبُ مُمْكِنًا، لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِصِفَةِ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ مقهوراً؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أَيْ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ الْمُعْتَدُونَ فِي دَعْوَاهُمُ الْوَلَدَ أَوِ الشَّرِيكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ أَيْ يَعْلَمُ مَا يَغِيبُ