اللَّهُ عَنِّي، قَالَ: ثُمَّ رَجَعُوا فَرَجَعْتُ إِلَى صاحبي فحملته، وكان ثَقِيلًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْإِذْخَرِ، فَفَكَكْتُ عَنْهُ أحبله، فَجَعَلْتُ أَحْمِلُهُ وَيُعِينُنِي حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقًا أَنْكِحُ عَنَاقًا - مَرَّتَيْنِ؟ - فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عليَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ ﴿الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَرْثَدُ الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً فلا تنكحها». (رواه الترمذي والنسائي وأبو داود واللفظ للترمذي).
وقال الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث» وفي رواية: "ثَلَاثَةٌ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، والعاق لوالديه، والذي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطيالسي
في مسنده عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الجنة ديوث» (في الصحاح للجوهري الديوث: القنزع وهو الذي لا غيرة له على أهله). وفي الحديث: «من أراد أن يلقى الله وهو طاهر متطهر فليتزوج الحرائر» (أخرجه ابن ماجه وفي إسناه ضعف). فَأَمَّا إِذَا حَصَلَتْ تَوْبَةٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ التَّزْوِيجُ، لما روي عن ابن عباس وسأله رجل فقال: إِنِّي كُنْتُ أُلِمُّ بِامْرَأَةٍ آتِي مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ عَلَيَّ فَرَزَقَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ مِنْ ذَلِكَ تَوْبَةً، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ أُنَاسٌ: إِنَّ الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ هَذَا فِي هَذَا، انكحها فما كان من إثم فعلي (أخرجه ابن أبي حاتم عن شعبة مولى ابن عباس رضي الله عنهما)، وقد ادعى طائفة مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ. قَالَ ابن أبي حاتم عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ ﴿الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ قال: نسختها التي بعدها: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ قال: كان يقال الأيامى من المسلمين (أخرجه ابن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ ونص عليه الإمام الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ).
- ٤ - وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
- ٥ - إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا بَيَانُ جَلْدِ الْقَاذِفِ لِلْمُحَصَنَةِ وَهِيَ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَفِيفَةُ، فَإِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ رَجُلًا فَكَذَلِكَ يُجْلَدُ قَاذِفُهُ أيضاً، وليس فيه نزاع بين العلماء، فإن أَقَامَ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ درأ عَنْهُ الْحَدُّ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ
لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، (الثاني) أن ترد شهادته أبداً، (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا لَيْسَ بِعَدْلٍ لَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَا عِنْدَ النَّاسِ؛ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وأصلحوا﴾ الآية. واختلف الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ هَلْ يَعُودُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، فَتَرْفَعُ التَّوْبَةُ