فجاءت به جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا مَا نَزَلَ فِيهِمَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» (ذكر السيوطي الروايات في ذلك وقال، قال ابن حجر: اختلف الأئمة فمنهم من رجح أنها نزلت في هلال، ومنهم من رجح أنها في عويمر، ومنهم جمع بينهما، ويحتمل أن النزول سيق بسبب هلال ثم صادف مجيء عويمر ولم يكن له علم بما وقع لهلال، وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين، قال ابن حجر: ولا مانع من تعدد الأسباب).
- ١١ - إن الذين جاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
هَذِهِ الْعَشْرُ الْآيَاتِ كُلُّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حِينَ رَمَاهَا أَهْلُ الْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِمَا قَالُوهُ مِنَ الْكَذِبِ البحت، والفرية التي غار الله عزَّ وجلَّ لَهَا وَلِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ الله تعالى براءتها صيانة لعرض الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ﴾ أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ يَعْنِي مَا هُوَ وَاحِدٌ وَلَا اثْنَانِ بَلْ جَمَاعَةٌ؛ فَكَانَ الْمُقَدَّمُ فِي هَذِهِ اللَّعْنَةِ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبي بْنِ سَلُولٍ) رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَجْمَعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ حَتَّى دَخَلَ ذَلِكَ فِي أَذْهَانِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَكَلَّمُوا بِهِ، وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ، وَبَقِيَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ؛ وبيان ذلك في الأحاديث الصحيحة.
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج لسفر أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه، قالت عائشة رضي الله عنها: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، وَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك بعدما نزل الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فسرنا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم من غزوته وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فقمت حين آذن بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شأني أقبلت إلى رحلي، فلمست صدري فإذا عقد لي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يرحلونني، فاحتملوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ، قَالَتْ: وَكَانَ النِّسَاءُ إذ ذاك خفافاً لم يثقلن وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطعام؛ فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غلبتني عيناي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذكواني قد عرس من الْجَيْشِ، فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كان رآني قبل الْحِجَابُ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ منه كلمة غير استرجاعه حين أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوْطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ (عبد الله بن أُبي بن سلول).
فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمناها شهراً والناس يفيضون في قول الْإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ،


الصفحة التالية
Icon