إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْهَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ بِابْنِهَا وَفَعَلَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ فِيمَنْ حدَّث الْحَدِيثَ، قَالَتْ: وأي الحديث؟ قالت: كذا وكذا، قالت: وقد بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: نعم، قالت: وَبَلَغَ أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَخَرَّتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، قَالَتْ: فَقُمْتُ فَدَثَّرْتُهَا، قالت: فجاء النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَمَا شأن هذه؟» فقلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَتْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، قَالَ: «فَلَعَلَّهُ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ» قَالَتْ: فَاسْتَوَتْ عَائِشَةُ قَاعِدَةً، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لَكُمْ لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَذَرْتُ إِلَيْكُمْ لَا تَعْذِرُونِي، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبينه حِينَ قَالَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ قالت: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنزل اللَّهُ عُذْرَهَا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ، فَقَالَ يَا عَائِشَةُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَنْزَلَ عُذْرَكِ»، فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِكَ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: تَقُولِينَ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قالت: وكان فِيمَنْ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ رَجُلٌ كَانَ يَعُولُهُ أبو بكر، فحلف أن لا يَصِلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ والسعة﴾ إلى آخر الآية، فقال أبو بكر بلى فوصله.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين جاؤوا بالإفك﴾ أي الكذب وَالْبَهْتِ وَالِافْتِرَاءِ ﴿عُصْبَةٌ﴾ أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ ﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ﴾ أَيْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِسَانُ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا وَرِفْعَةُ مَنَازِلَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِظْهَارُ شَرَفٍ لَهُمْ بِاعْتِنَاءِ الله تعالى بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث أنزل الله براءتها في القرآن العظيم، وَلِهَذَا لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنه وعنها وَهِيَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ، قَالَ لَهَا أَبْشِرِي فَإِنَّكِ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُحِبُّكِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَكِ، ونزلت براءتك من السماء، وقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾ أَيْ لِكُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَرَمَى أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْفَاحِشَةِ نَصِيبٌ عَظِيمٌ مِنَ الْعَذَابِ، ﴿والذي تولى كِبْرَهُ مِنْهُمْ﴾ قِيلَ: ابْتَدَأَ بِهِ، وَقِيلَ: الَّذِي كَانَ يَجْمَعُهُ وَيُذِيعُهُ وَيُشِيعُهُ ﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أَيْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبي بْنِ سلول) قبحه الله تعالى وَلَعْنَهُ، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ النَّصُّ عَلَيْهِ فِي الحديث؛ وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ بِهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وهو قول غريب، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآُثر، وأحسن مآثره أن كَانَ يَذُبُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ». وقال مسروق كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَدَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَأَمَرَتْ فَأُلْقِيَ لَهُ وِسَادَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا؟ يَعْنِي يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ لَهَا: أَتَأْذَنِينَ لِهَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، قَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ هُوَ الْعَذَابَ الْعَظِيمَ، ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَنْشَدَهَا عِنْدَمَا دَخَلَ عَلَيْهَا شِعْرًا يَمْتَدِحُهَا بِهِ فَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ * وتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لحوم الغوافل.
فقالت: لكنك لست كذلك.
- ١٢ - لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هذا إفك مبين - ١٣ - لولا جاؤوا عليه


الصفحة التالية
Icon