بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ
هَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ الله تعالى للمؤمنين في قصة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ أَفَاضَ بَعْضُهُمْ في ذلك الكلام السوء وما ذكر من شأن الإفك، فقال تعالى: ﴿لولا﴾ يعني هلا ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ أي ذلك الكلام الذي رميت به أم المؤمنين رضي الله عنها ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً﴾ أَيْ قَاسُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ بطريق الأولى والأحرى، روي أن أبا أيوب (خالد بن زيد الأنصاري) قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ: يَا أَبَا أيوب أتسمع مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَكُنْتِ فَاعِلَةً ذَلِكَ يَا أُمَّ أَيُّوبَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَهُ، قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَذَكَرَ أَهْلَ الْإِفْكِ، قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ يَعْنِي أَبَا أَيُّوبَ حِينَ قَالَ لأم أيوب ما قال (ذكره محمد بن إسحاق بن يسار ومحمد بن عمر الواقدي). وقوله تعالى: ﴿ظَنَّ المؤمنون﴾ الخ: أَيْ هَلَّا ظَنُّوا الْخَيْرَ، فَإِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلُهُ وَأَوْلَى بِهِ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَاطِنِ، وقوله: ﴿وَقَالُواْ﴾: أَيْ بِأَلْسِنَتِهِمْ ﴿هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ أَيْ كذب ظاهر على أم المؤمنين رضي الله عنها، فَإِنَّ الَّذِي وَقَعَ لَمْ يَكُنْ رِيبَةً، وَذَلِكَ أَنَّ مَجِيءَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَاكِبَةً جَهْرَةً عَلَى رَاحِلَةِ (صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ) فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ وَالْجَيْشُ بِكَمَالِهِ يُشَاهِدُونَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ، ولو كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِيهِ رِيبَةٌ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا جَهْرَةً، وَلَا كَانَا يُقَدِمَانِ عَلَى مِثْلِ ذلك على رؤوس الأشهاد، بل كان هذا يكون لَوْ قُدِّرَ خُفْيَةً مَسْتُورًا، فَتَعَيَّنَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ أَهْلُ الْإِفْكِ مِمَّا رَمَوْا بِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ، وَالْقَوْلُ الزُّورُ والرعونة الفاحشة الفاجرة قال الله تعالى ﴿لَّوْلاَ﴾ أي هلا ﴿جاؤوا عَلَيْهِ﴾ أَيْ عَلَى مَا قَالُوهُ ﴿بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ يَشْهَدُونَ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءُوا بِهِ ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فأولئك عند اللهم الكاذبون﴾ أي في حكم الله كاذبون فاجرون.
- ١٤ - وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا والآخرة لمسكم فيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
- ١٥ - إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ
يَقُولُ تعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ أَيُّهَا الْخَائِضُونَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، بِأَنْ قَبِلَ تَوْبَتَكُمْ وَإِنَابَتَكُمْ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَعَفَا عَنْكُمْ لِإِيمَانِكُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ ﴿لَمَسَّكُمْ فيما أَفَضْتُمْ فِيهِ﴾ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِفْكِ ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وهذا فيمن عند إيمان يقبل الله بسببه التوبة، كمسطح و (حسان) و (حمة بِنْتِ جَحْشٍ) فَأَمَّا مَنْ خَاضَ فِيهِ مِنَ المافقين كعبد الله بن أبي
ابن سَلُولٍ وَأَضْرَابِهِ، فَلَيْسَ أُولَئِكَ مُرَادِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنَ الإيمانُ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا يُعَادِلُ هَذَا وَلَا مَا يُعَارِضُهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ قَالَ مجاهد: أي يروي بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، يَقُولُ: هَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ فَلَانٌ كَذَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ كَذَا، وقوله تعالى: ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أَيْ تَقُولُونَ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ أَيْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ فِي شَأْنِ أُمَّ المؤمنين وتحسبون ذلك يسيراً وسهلاً، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةَ