ادخل، قالت ادخل، فدخل. وروى هيثم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْتَأْذِنُوا على أمهاتكم وأخواتكم، وقال أَشْعَثُ عَنْ (عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ) إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَكُونُ فِي مَنْزِلِي عَلَى الْحَالِ الَّتِي لَا أحب أن يراني عليها أحد، لا وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بيوتا﴾ الآية (أخرجه ابن أبي حاتم). وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ثلاث آيات جحد من الناس، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم﴾ قَالَ: وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُهُمْ بيتاً، قال: والأدب كُلُّهُ قَدْ جَحَدَهُ النَّاسُ، قَالَ، قُلْتُ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أَخَوَاتِي أَيْتَامٍ فِي حِجْرِي مَعِي فِي بيت واحد؟ قال: نعم، فرددت عليه ليرخص لي فأبى، فقال: تُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ، قَالَ: فَرَاجَعْتُهُ أيضاًَ فَقَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تطيع الله؟ قال، قلت: نعم، قال: فاستأذن، وقال طاووس: مَا مِنِ امْرَأَةٍ أَكْرَهُ إليَّ أَنْ أَرَى عورتها مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ قَالَ: وَكَانَ يُشَدِّدُ فِي ذلك. وقال ابن مسعود: عَلَيْكُمُ الْإِذْنُ عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: لَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْلِمَهَا بِدُخُولِهِ وَلَا يُفَاجِئَهَا بِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تُحِبُّ أن يراها عليها.
وروى ابن جرير عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حاجة
فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق، كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه (أخرجه ابن جرير وقال ابن كثير: إسناده صحيح). وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الدَّارَ استأنس تكلم ورفع صوته، وقال مُجَاهِدٌ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ﴾ قَالَ: تَنَحْنَحُوا أَوْ تَنَخَّمُوا، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَنَحْنَحَ أَوْ يُحَرِّكَ نَعْلَيْهِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه نهى أن يطرق الرجل على أهله طروقاً - وفي رواية - لئلا يتخوفهم، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَهَارًا فَأَنَاخَ بظاهرها وقال: «انتظروا حتى ندخل عَشَاءٌ - يَعْنِي آخِرَ النَّهَارِ - حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وتستحد المغيبة». وقال قتادة في قوله: ﴿حتى تَسْتَأْنِسُواْ﴾: هو الاستئذان ثلاثاً، فمن لم يؤذن له منهم فَلْيَرْجِعْ، أَمَّا الْأُولَى فَلْيُسْمِعِ الْحَيَّ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنْ شَاءُوا أَذِنُوا وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا؛ وَلَا تقفنَّ عَلَى بَابِ قَوْمٍ رَدُّوكَ عَنْ بَابِهِمْ، فَإِنَّ لِلنَّاسِ حَاجَاتٍ وَلَهُمْ أَشْغَالٌ وَاللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ ابن حيان في الآية: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا لَقِيَ صَاحِبَهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: حُيِّيتَ صَبَاحًا وَحُيِّيتَ مساء، وكان ذَلِكَ تَحِيَّةَ الْقَوْمِ بَيْنَهُمْ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى صَاحِبِهِ فَلَا يَسْتَأْذِنُ حَتَّى يَقْتَحِمَ وَيَقُولَ: قد دخلت ونحو ذلك، فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، وَلَعَلَّهُ يَكُونُ مَعَ أَهْلِهِ، فَغَيَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سَتْرٍ وَعِفَّةِ، وَجَعَلَهُ نَقْيًّا نَزِهًا مِنَ الدَّنَسِ وَالْقَذِرِ والدرن. فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا﴾ الآية، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُقَاتِلٌ حَسَنٌ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ يَعْنِي الِاسْتِئْذَانُ، خَيْرٌ لَكُمْ بمعنى هو خير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَذِنَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْذَنْ، {وَإِن