الْمُسْلِمَةُ فَإِنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فَتَنْزَجِرُ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ تَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» (أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عن ابن مسعود مرفوعاً).
وروي أن عمر بن الخطاب كتب إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَ نِسَاءِ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ مِنْ قِبَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالْلَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهَا إِلَّا أَهْلُ مِلَّتِهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ نِسَآئِهِنَّ﴾ قَالَ: نِسَاؤُهُنَّ الْمُسْلِمَاتُ، لَيْسَ الْمُشْرِكَاتُ مِنْ نِسَائِهِنَّ، وَلَيْسَ للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي مشركة، وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿أَوْ نِسَآئِهِنَّ﴾ قَالَ: هَنُ الْمُسْلِمَاتُ لَا تُبْدِيهِ لِيَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ، وَهُوَ النَّحْرُ وَالْقُرْطُ والْوِشَاحُ وَمَا لَا يَحِلُّ أَنْ يراه إلاّ محرم، وروى سعيد عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا تَضَعُ الْمُسْلِمَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ مُشْرِكَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿أَوْ نِسَآئِهِنَّ﴾ فَلَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِنَّ، وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ: أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ تُقَبِّلَ النَّصْرَانِيَّةُ واليهودية والمجوسية المسلمة. وقوله تعالى: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ قال ابن جرير: يَعْنِي مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ زَينَتَهَا لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مُشْرِكَةً لِأَنَّهَا أَمَتُهَا؛ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَظْهَرَ عَلَى رَقِيقِهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي رواه أبو داود عَنْ أنَس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وغلامك». وروى الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ لَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ منه»، وقوله تعالى: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ يَعْنِي كَالْأُجَرَاءِ وَالْأَتْبَاعِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءَ، وَهُمْ مع ذلك في عقولهم وله ولا همة لَهُمْ إِلَى النِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهُونَهُنَّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْمُغَفَّلُ الَّذِي لَا شَهْوَةَ لَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْأَبْلَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ المخنث الذي لا يقوم ذكره وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ
مِنَ السَّلَفِ، وَفِي الصحيح عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَنَعَتُ امْرَأَةً يَقُولُ: إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَرَى هَذَا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم» فأخرجه، وروى الإمام أحمد عن أم سلمة أنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعندها مخنث، وعندها (عبد الله بن أبي أمية) يعني أخاها والمخنث يقول: يا عبد الله إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرْ بِثَمَانٍ، قَالَ: فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عليك» (وأخرجاه فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النساء﴾ يعين لِصِغَرِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ مِنْ كلامهن الرخيم، وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن، فَإِذَا كَانَ الطِّفْلُ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهِ عَلَى النِّسَاءِ، فَأَمَّآ إِن كَانَ مُرَاهِقًا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ وَالْحَسْنَاءِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى