أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾، قال قتادة: أي مأوى ومنزلاً. وقال ابن جرير عن سعيد الصواف: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقْصُرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ كَمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غروب الشمس، وإنهم يتقلبون فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يُفْرَغَ مِنَ النَّاسِ، وَذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾.
- ٢٥ - وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا
- ٢٦ - الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً
- ٢٧ - وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا
- ٢٨ - يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا
- ٢٩ - لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولًا
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ، فَمِنْهَا انْشِقَاقُ السَّمَاءِ وَتَفَطُّرُهَا، وَانْفِرَاجُهَا بِالْغَمَامِ وَهُوَ ظُلَلُ النُّورِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُبْهِرُ الأبصار، ونزول ملائكة السموات يومئذٍ، فَيُحِيطُونَ بِالْخَلَائِقِ فِي مَقَامِ الْمَحْشَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أن يأيتهم الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملائكة﴾ الآية. قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حلمك بعد علمك، وأربعة مِنْهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى عفوك بعد قدرتك.
وقوله تعالى: ﴿الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن﴾ الآية، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ. لِلَّهِ الواحد القهار﴾ وفي الصحيح: أن الله تعالى يَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ، وَيَأْخُذُ الْأَرَضِينَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟. وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً﴾ أَيْ شَدِيدًا صَعْبًا لِأَنَّهُ يَوْمُ عَدْلٍ وَقَضَاءِ فَصْلٍ، كَمَا قال تعالى: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يسير﴾ فَهَذَا حَالُ الْكَافِرِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكبر﴾ الآية، وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﴿يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لِيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا». وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ الآية، يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ نَدَمِ الظَّالِمِ الَّذِي فَارَقَ طريق الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَسَلَكَ طَرِيقًا أُخْرَى غَيْرَ سَبِيلِ الرَّسُولِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَدَمَ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ النَدَمُ، وَعَضَّ عَلَى يَدَيْهِ حَسْرَةً وَأَسَفًا، وَسَوَاءً كَانَ سبب نزولها في عقبة بن معيط (أخرج ابن جرير: كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم، فيزجره عقبة بن أبي معيط، فنزلت هذه الآية، كما في اللباب)، أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ، فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي كل ظالم كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النار﴾ الآيتين، فَكُلُّ ظَالِمٍ يَنْدَمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، غَايَةَ النَّدَمِ، وَيَعَضُّ عَلَى يَدَيْهِ قَائِلًا ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً﴾ يَعْنِي مَنْ صرَفه عَنِ الهدى وعدَل به إلى طريق الضلال مِنْ دُعَاةِ الضَّلَالَةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ (أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ) أَوْ أَخُوهُ (أُبي بْنُ خَلَفٍ) أَوْ غَيْرُهُمَا ﴿لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ﴾ وَهُوَ الْقُرْآنُ ﴿بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي﴾