فسوَّاه وعدّله، وجعله كامل الخلقة ذكراً وأنثى كَمَا يَشَاءُ، ﴿فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً﴾ فَهُوَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَلَدٌ نَسِيبٌ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ فَيَصِيرُ صِهْرًا، ثُمَّ يَصِيرُ لَهُ أَصْهَارٌ وَأُخْتَانٌ وَقَرَابَاتٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾.
- ٥٥ - وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا
- ٥٦ - وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مبشرا ونذيرا
- ٥٧ - قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً
- ٥٨ - وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا
- ٥٩ - الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا
- ٦٠ - وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ جَهْلِ الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ مِنَ الْأَصْنَامِ، الَّتِي لَا تملك لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نفعا بِلَا دَلِيلٍ قَادَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَلَا حُجَّةٍ أدتهم إليه بل بمجرد الآراء وَالْأَهْوَاءِ، فَهُمْ يُوَالُونَهُمْ وَيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِمْ وَيُعَادُونَ الله ورسوله والمؤمنين فيهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً﴾ أَيْ عَوْنًا فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ عَلَى حِزْبِ اللَّهِ، وَحِزْبُ الله هُمُ الغالبون، قَالَ مُجَاهِدٌ ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً﴾ قال: يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه، وقال سعيد بن جبير: عوناً للشيطان على ربه بالعدواة والشرك، وقال زيد بن أسلم: مُوَالِيًا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ أَيْ بَشِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَذِيرًا لِلْكَافِرِينَ، مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لمن أطاع الله، ونذيراً بيد يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ، ﴿قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ أَيْ عَلَى هَذَا الْبَلَاغِ وَهَذَا الْإِنْذَارِ مِنْ أُجْرَةٍ أَطْلُبُهَا مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله تعالى، ﴿إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ أَيْ طَرِيقًا وَمَسْلَكًا وَمَنْهَجًا يَقْتَدِي فِيهَا بما جئت به، ثم قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لا يموت﴾ (روى ابن أبي حاتم عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: لَقِيَ سَلْمَانُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ فِجَاجِ الْمَدِينَةِ فَسَجَدَ لَهُ، فَقَالَ: «لَا تَسْجُدْ لِي يَا سَلْمَانُ وَاسْجُدْ لِلْحَيِّ الَّذِي لَا يموت» قال ابن كثير: وهو مرسل حسن) أَيْ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا، كُنْ مُتَوَكِّلًا عَلَى الله الحي الذي لا يموت أبداً، الدَّائِمُ الْبَاقِي السَّرْمَدِيُّ، الْأَبَدِيُّ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، رَبُّ كل شيء وملكيه، اجعله ذخرك وملجأك، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك، كما قال تعالى: ﴿والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس﴾.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ أَيْ اقْرِنْ بَيْنَ حَمْدِهِ وَتَسْبِيحِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ»، أَيْ أَخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَةَ وَالتَّوَكُّلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً﴾، وقال تعالى: ﴿فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾، وقوله تعالى: ﴿وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً﴾ أي بعلمه التام لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، وقوله تعالى: ﴿الذي خَلَقَ السماوات والأرض﴾ الآية، أي هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، الَّذِي خَلَقَ بقدرته


الصفحة التالية
Icon