وَسُلْطَانِهِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فِي ارْتِفَاعِهَا وَاتِّسَاعِهَا، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي سُفُولِهَا وَكَثَافَتِهَا ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ وَيَقْضِي الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ، وقوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾ أَيِ اسْتَعْلِمْ عَنْهُ مَنْ هُوَ خَبِيرٌ بِهِ عَالِمٌ بِهِ، فَاتَّبِعْهُ وَاقْتَدِ بِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَلَا أَخْبَرُ بِهِ، مِنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ سَيِّدِ وَلَدِ آدم على الإطلاق، الذِي لَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى، فما قاله فهو الحق، ما أخبره به فهو الصدق، ولهذا قال تعالى: ﴿فاسأل بِهِ خَبِيراً﴾، قال مجاهد: مَا أَخْبَرْتُكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ كَمَا أَخْبَرْتُكَ، وقال شمر بن عطية: هَذَا الْقُرْآنُ خَبِيرٌ بِهِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ﴾؟ أَيْ لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، وَكَانُوا يُنْكِرُونَ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ بِاسْمِهِ الرَّحْمَنِ، كَمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْكَاتِبِ: «اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فَقَالُوا: لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ وَلَا الرَّحِيمَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ؛ وَلِهَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ أَيْ هُوَ اللَّهُ وَهُوَ الرَّحْمَنُ، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ أَيْ لَا نِعْرِفُهُ وَلَا نقرُّ بِهِ، ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾؟ أَيْ لِمُجَرَّدِ قَوْلِكَ، ﴿وَزَادَهُمْ نُفُوراً﴾ فأما الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَنُ الرحيم ويفردونه بالإلهية ويسجدون له.
- ٦١ - تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَرًا مُنِيرًا
- ٦٢ - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
يَقُولُ تَعَالَى مُمَجِّدًا نَفْسَهُ ومعظماً على جميل ما خلق في السماوات من البروج، وهي الكواكب العظام (وهو قول مجاهد والحسن وقتادة وسعيد بن جبير)، وقيل: هي قصور في السماء للحرس (وهو مروي عن علي وابن عباس وإبراهيم النخعي)، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَوَاكِبُ الْعِظَامُ هِيَ قُصُورٌ لِلْحَرَسِ فَيَجْتَمِعُ الْقَوْلَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بمصابيح﴾ الآية، ولهذا قَالَ تَعَالَى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾ وَهِيَ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ الَّتِي هي كالسراج في الوجود، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً﴾، ﴿وَقَمَراً مُّنِيراً﴾ أي مشرقاً مضيئاً بنور آخر من غير نور الشمس، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً﴾، وقال: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾، ثم قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ أَيْ يَخْلُفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ يَتَعَاقَبَانِ لَا يَفْتُرَانِ، إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا، وَإِذَا جَاءَ هذا ذهب ذاك، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائبين﴾ الآية، وقال: ﴿يُغْشِي الليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً﴾ الآية، وَقَالَ: ﴿لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ الآية. وقوله تعالى: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾ أي جعلهما يتعاقبان توقيتاً لعبادة عباده، فَمَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ فِي اللَّيْلِ اسْتَدْرَكَهُ فِي النَّهَارِ، وَمَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ فِي النَّهَارِ اسْتَدْرَكَهُ فِي اللَّيْلِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أن الله عزَّ وجلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يده بالنهار ليتوب مسيء الليل». قال ابن عباس في الآية: مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ


الصفحة التالية
Icon