أَنْ يَعْمَلَهُ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ مِنَ النَّهَارِ أدركه بالليل، وقال مجاهد وقتادة: خلفه أي مختلفين، أي هَذَا بِسَوَادِهِ وَهَذَا بِضِيَائِهِ.
- ٦٣ - وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا
- ٦٤ - وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا
- ٦٥ - وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا
- ٦٦ - إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَامًا
- ٦٧ - وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا
هَذِهِ صِفَاتُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾ أَيْ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ من غير تجبر ولا استكبار، كقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مرحا﴾ الآية. وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تَصَنُّعًا وَرِيَاءً، فَقَدْ كَانَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا ينحطُّ مِنْ صَبَب وَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ الْمَشْيَ بِتَضَعُّفٍ وَتَصَنُّعٍ، حَتَّى رَوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى شَابًّا يمشي رويداً قال: مَا بَالَكَ! أَأَنْتَ مَرِيضٌ؟ قَالَ: لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْشِيَ بقوة، وإنما المراد بالهون هنا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السِّكِينَةُ فَمَا أدركتم منها فصلوا وما فاتكم فأتموا»، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾ أَيْ إِذَا سفه عليهم الجهال بالقول السيء لَمْ يُقَابِلُوهُمْ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ، بَلْ يَعْفُونَ وَيَصْفَحُونَ وَلَا يَقُولُونَ إِلَّا خَيْرًا، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا تَزِيدُهُ شدة الجاهل عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ﴾ الآية، وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿قَالُواْ سَلاَماً﴾: يَعْنِي قَالُوا سَدَادًا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رَدُّوا مَعْرُوفًا مِنَ القول، وقال الحسن البصري: قالوا سلام عليكم، إن جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا، يُصَاحِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ نَهَارَهُمْ بما يسمعون، ثم ذكر أن ليلهم خير ليل؛ فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً﴾ أَيْ فِي طاعته وعبادته، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وقوله: ﴿تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخرة ويرجو رحمة ربه﴾ الآية، ولهذا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾ أَيْ مُلَازِمًا دَائِمًا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: إنْ يُعذّبْ يكنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْـ * طِ جَزِيلَا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي
وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾: كُلُّ شَيْءٍ يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ وَيَزُولُ عَنْهُ فَلَيْسَ بِغَرَامٍ، وَإِنَّمَا الْغَرَامُ اللَّازِمُ ما دامت الأرض والسماوات. ﴿إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ أَيْ بِئْسَ الْمَنْزِلُ منزلاً وبئس المقيل مقاماً، وروى ابن أبي حاتم عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: إِنَّ فِي النَّارِ لَجُبَابًا فِيهَا حَيَّاتٌ أَمْثَالُ البُخْت، وعقارب أمثال البغال الدُّهْم، فَإِذَا قُذِفَ بِهِمْ فِي النَّارِ خَرَجَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ أَوْطَانِهَا، فَأَخَذَتْ بِشِفَاهِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ، فَكَشَطَتْ لُحُومَهُمْ إِلَى أَقْدَامِهِمْ، فَإِذَا وَجَدَتْ حَرَّ النَّارِ رجعت. وروى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ عَبْدًا فِي جَهَنَّمَ لِيُنَادِي أَلْفَ سَنَةٍ: يا حنان يا منان، فيقول الله عزَّ وجلَّ لِجِبْرِيلَ اذْهَبْ فَآتِنِي بِعَبْدِي هَذَا، فَيَنْطَلِقُ جِبْرِيلُ، فيجد أهل النار مكبين يَبْكُونَ، فَيَرْجِعُ إِلَى رَبِّهِ عزَّ وجلَّ فَيُخْبِرُهُ، فيقول