أسلم: يعني يسألون الله تعالى لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام، وقوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ والسدي: أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِنَا فِي الْخَيْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: هداة مهتدين دعاة إلى الخير، ولهذا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: ولدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ، أَوْ عَلَمٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ".
- ٧٥ - أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا
- ٧٦ - خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا
- ٧٧ - قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مِنْ أَوْصَافِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذَكَرَ من الصفات الجميلة، والأقوال والأفعال الْجَلِيلَةِ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ: ﴿أُولَئِكَ﴾ أَيْ المتصفون بهذه ﴿يُجْزَوْنَ﴾ يوم القيامة ﴿الغرفة﴾ وهي الجنة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهَا، ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ أَيْ عَلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ، ﴿ويُلقّون فِيهَا﴾ أَيْ فِي الْجَنَّةِ ﴿تَحِيَّةً وَسَلاَماً﴾ أَيْ يُبْتَدَرُونَ فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ، ويلقون التَّوْقِيرَ وَالِاحْتِرَامَ، فَلَهُمُ السَّلَامُ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَيْ مُقِيمِينَ لَا يَظْعَنُونَ وَلَا يحولون ولا يموتون، ولا يزلون عَنْهَا وَلَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ ما دامت السماوات والأرض﴾ الآية. وقوله تعالى: ﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ أَيْ حَسُنَتْ مَنْظَرًا وَطَابَتْ مَقِيلًا وَمَنْزِلًا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ أَيْ لَا يُبَالِي وَلَا يَكْتَرِثُ بِكُمْ إِذَا لَمْ تَعْبُدُوهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا خلق الخلق ليعبدوه ويوحده ويسبحوه بكرة وأصيلاً.
قال ابن عباس: لولا دعائكم: أي لولا إيمانكم، وأخبر تعالى الْكَفَّارَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ حَاجَةٌ لَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا حَبَّبَهُ إِلَى المؤمنين. وقوله تعالى: ﴿فَقَدِ كَذَّبْتُمْ﴾ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾ أَيْ فَسَوْفَ يكون تكذيبكم لزاما لكم، يعني مقتضياً لعذابكم وهلاككم ودماركم في الدنيا والآخرة.