لما أمره الله، وأوحى الله إلى إِلَى مُوسَى ﴿أَنْ اضْرِبْ بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ فَضَرَبَهُ بها، ففيها سلطان الله الذي أعطاه فانفلق، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ أَيْ كَالْجَبَلِ الْكَبِيرِ (قَالَهُ ابْنُ عباس وابن مسعود والضحاك وقتادة وغيرهم)، قاله ابن عباس، وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هُوَ الْفَجُّ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَارَ الْبَحْرُ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ؛ وَزَادَ السُّدِّيُّ: وَصَارَ فِيهِ طَاقَاتٌ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَامَ الْمَاءُ عَلَى حَيْلِهِ كَالْحِيطَانِ، وَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ إِلَى قَعْرِ الْبَحْرِ فَلَفْحَتْهُ فَصَارَ يَبَسًا كَوَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً * لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى﴾، وقال في هذه القصة ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين﴾ أي هنالك. قال ابن عباس ﴿وَأَزْلَفْنَا﴾ أي قربنا من البحر فرعون وجنوده وَأَدْنَيْنَاهُمْ إِلَيْهِ، ﴿وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ أَيْ أَنْجَيْنَا مُوسَى وَبَنِي إسرائيل ومن اتبعهم عَلَى دِينِهِمْ فَلَمْ يَهْلَكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأُغْرِقَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا هلك. عن عبد الله بن مسعود قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ آخِرُ أَصْحَابِ مُوسَى وَتَكَامَلَ أصحاب فرعون انطم عَلَيْهِمُ الْبَحْرُ، فَمَا رُئِيَ سَوَادٌ أَكْثَرُ مِنْ يومئذٍ، وَغَرَقَ فِرْعَوْنُ لَعَنَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ أَيْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ لِعِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ لَدَلَالَةٌ وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ.
- ٦٩ - وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ
- ٧٠ - إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ
- ٧١ - قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ
- ٧٢ - قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ - ٧٣ - أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ
- ٧٤ - قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
- ٧٥ - قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ
- ٧٦ - أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ
- ٧٧ - فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ
هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء، أمر الله تَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْلُوَهُ عَلَى أُمَّتِهِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي الْإِخْلَاصِ وَالتَّوَكُّلِ، وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له والتبري مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى آتَى إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن صغره، فَإِنَّهُ مِنْ وَقْتِ نَشَأَ وَشَبَّ أَنْكَرَ عَلَى قَوْمِهِ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ مَعَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، ﴿فَقَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ﴾؟ أَيْ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ ﴿قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ أَيْ مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَتِهَا وَدُعَائِهَا، ﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ يَعْنِي اعْتَرَفُوا بِأَنَّ أَصْنَامَهُمْ لَا تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا رَأَوْا آبَاءَهُمْ كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يهرعون، فعند ذلك قال لهم إبراهيم: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ شَيْئًا وَلَهَا تَأْثِيرٌ، فَلْتَخْلُصْ إِلَيَّ بِالْمَسَاءَةِ، فَإِنِّي عَدُوٌّ لَهَا لَا أبالي بها وَلَا أُفَكِّرُ فِيهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ﴾ الآية. وقال هود عليه السلام ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تنظرون﴾، وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم، قال تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾.


الصفحة التالية
Icon