يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ ثَمُودَ فِي جَوَابِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ (صَالِحٍ) عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى عبادة ربهم عزَّ وجلَّ أنهم ﴿قَالُوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وقتادة: يعنون من المسحورين، يَقُولُونَ: إِنَّمَا أَنْتَ فِي قَوْلِكَ هَذَا مَسْحُورٌ لَا عَقْلَ لَكَ، ثُمَّ قَالُوا ﴿مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ يَعْنِي فَكَيْفَ أُوحِيَ إِلَيْكَ دوننا، كما قالوا في الآية الأخرى ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا؟ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ ثُمَّ إِنَّهُمُ اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ آيَةً يَأْتِيهِمْ بِهَا لِيَعْلَمُوا صِدْقَهُ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ، وقد اجتمع ملؤهم وطلبوا منه أَنْ يُخْرِجَ لَهُمُ الْآنَ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ ناقة عشراء، وأشاروا إلى صخرة عندهم، مِنْ صِفَتِهَا كَذَا وَكَذَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَالِحٌ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ لَئِنْ أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به وليتبعنه، فأعطوه ذلك، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصَلَّى ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عزَّ وجلَّ أَنْ يُجِيبَهُمْ إِلَى سُؤَالِهِمْ، فَانْفَطَرَتْ تِلْكَ الصَّخْرَةُ الَّتِي أَشَارُوا إِلَيْهَا عَنْ نَاقَةٍ عُشَرَاءَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفُوهَا، فَآمَنَ بَعْضُهُمْ وَكَفَرَ أَكْثَرُهُمْ ﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ يَعْنِي تَرِدُ مَاءَكُمْ يَوْمًا وَيَوْمًا تَرِدُونَهُ أَنْتُمْ، ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ فَحَذَّرَهُمْ نِقْمَةَ اللَّهِ إِنْ أَصَابُوهَا بِسُوءٍ، فَمَكَثَتِ النَّاقَةُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ تَرِدُ الماء، وتأكل الورق والمرعى وينتفعون بلبنها يحلبون مِنْهَا مَا يَكْفِيهِمْ شُرْبًا وَرِيًّا؛ فَلَمَّا طَالَ عليهم الأمد وحضر أشقاهم تمالأوا عَلَى قَتْلِهَا وَعَقْرِهَا ﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ﴾ وَهُوَ أَنَّ أَرْضَهُمْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالًا شَدِيدًا، وجاءتهم صحية عظيمة اقتلعت القلوب من مَحَالِّهَا، وَأَتَاهُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يحتسبون، وأصبحوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
- ١٦٠ - كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ
- ١٦١ - إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ
- ١٦٢ - إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
- ١٦٣ - فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
- ١٦٤ - وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ لوط عليه السلام، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَعَثَهُ إِلَى أُمَّةٍ عظيمة في حياة إبراهيم عليهما السلام، وكانوا يسكنون (سدوم) وأعمالها التي أهلكهم اللَّهُ بِهَا، وَجَعَلَ مَكَانَهَا بُحَيْرَةً مُنْتِنَةً خَبِيثَةً، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ بِبِلَادِ الْغَوْرِ مُتَاخِمَةٌ لِجِبَالِ الْبَيْتِ المقدس، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ يُطِيعُوا رَسُولَهُمُ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ الله، وارتكاب ما كانوا قد ابتدعوه مما لم يسبقهم أحد من الخلائق إلى فعله من إتيان الذكور دُونَ الْإِنَاثِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:
- ١٦٥ - أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ
- ١٦٦ - وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ
- ١٦٧ - قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ
- ١٦٨ - قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ
- ١٦٩ - رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ
- ١٧٠ - فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
- ١٧١ - إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ
- ١٧٢ - ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ
- ١٧٣ - وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ
- ١٧٤ - إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
- ١٧٥ - وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
لما نهاهم نبي الله عن ارتكاب الْفَوَاحِشَ وَغَشَيَانِهِمُ الذُّكُورَ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى إِتْيَانِ نِسَائِهِمُ اللاتي خلقهن الله


الصفحة التالية
Icon