وقوله تعالى: ﴿الذي يُخْرِجُ الخبء فِي السماوات والأرض﴾ قال ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْلَمُ كُلَّ خَبِيئَةٍ فِي السَّمَاءِ والأرض، وقال سعيد بن المسيب: الخبء الماء، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: خبء السماوات والأرض ما جعل فيهما مِنَ الْأَرْزَاقِ، الْمَطَرُ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّبَاتُ مِنَ الْأَرْضِ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ مِنْ كَلَامِ الْهُدْهُدِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْخَاصِّيَّةِ مَا ذَكَرَهُ ابن عباس وغيره أَنَّهُ يَرَى الْمَاءَ يَجْرِي فِي تُخُومِ الْأَرْضِ وداخلها، وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ أَيْ يَعْلَمُ مَا يُخْفِيهِ الْعِبَادُ وَمَا يُعْلِنُونَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَلَمَّا كَانَ الْهُدْهُدُ دَاعِيًا إِلَى الْخَيْرِ، وعبادة الله وحده، نهي عن قتله، كما رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ والهدهد والصرد (أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه قال ابن كثير: وإسناده صحيح).
- ٢٧ - قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
- ٢٨ - اذْهَبْ بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ
- ٢٩ - قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
- ٣٠ - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- ٣١ - أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مسلمين
يقول تعالى مخبراً عن قيل سليمان للهدهد، حين أخبره عن أهل سبأ وملكهم ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أَيْ أَصْدَقْتَ فِي إِخْبَارِكَ هَذَا ﴿أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين﴾ في مقالتك لتتخلص مِنَ الْوَعِيدِ الَّذِي أَوْعَدْتُكَ؟ ﴿اذْهَبْ بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾، وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَتَبَ كتاباً إلى بلقيس وقومها، وأعطاه ذلك الهدهد فحمله وَذَهَبَ إِلَى بِلَادِهِمْ، فَجَاءَ إِلَى قَصْرِ بِلْقِيسَ فَأَلْقَاهُ إِلَيْهَا مِنْ كُوَّةٍ هُنَالِكَ بَيْنَ يَدَيْهَا، ثُمَّ تَوَلَّى نَاحِيَةً أَدَبًا وَرِيَاسَةً فَتَحَيَّرَتْ مِمَّا رَأَتْ وَهَالَهَا ذَلِكَ ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَى الْكِتَابِ فأخذته ففتحت ختمه وقرأنه، فَإِذَا فِيهِ: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فَجَمَعَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أُمَرَاءَهَا وَوُزَرَاءَهَا وَكُبَرَاءَ دولتها ثُمَّ قَالَتْ لَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ تَعْنِي بِكَرَمِهِ مَا رأته من عجيب أمره، كون طائر ذهب بِهِ فَأَلْقَاهُ إِلَيْهَا ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهَا أَدَبًا وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَرَأَتْهُ عَلَيْهِمْ ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فَعَرَفُوا أَنَّهُ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ عليه السلام، وَأَنَّهُ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ وَهَذَا الْكِتَابُ فِي غَايَةِ الْبَلَاغَةِ وَالْوَجَازَةِ وَالْفَصَاحَةِ فَإِنَّهُ حَصَّلَ المعنى بأيسر عبارة وأحسنها. قال العلماء: لم يَكْتُبْ أَحَدٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ سليمان عليه السلام. وقوله: ﴿أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ﴾ قال قتادة يقول: لا تتجبروا علي ﴿وأتوني مسلمين﴾، وقال ابن أَسْلَمَ: لَا تَمْتَنِعُوا وَلَا تَتَكَبَّرُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُوَحِّدِينَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مُخْلِصِينَ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: طَائِعِينَ.
- ٣٢ - قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ
- ٣٣ - قَالُوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس


الصفحة التالية
Icon