وقال تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَآ أَنْتُمْ تخرجون﴾ وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ: أَنَّهُ فِي النَّفْخَةِ الثَّالِثَةِ يَأْمُرُ اللَّهُ الْأَرْوَاحَ فَتُوضَعُ فِي ثُقْبٍ فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ فِيهِ بَعْدَمَا تَنْبُتُ الْأَجْسَادُ فِي قُبُورِهَا وَأَمَاكِنِهَا، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ طَارَتِ الْأَرْوَاحُ تَتَوَهَّجُ، أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ نُورًا، وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ ظُلْمَةً، فَيَقُولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَتَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا، فَتَجِيءُ الْأَرْوَاحُ إِلَى أَجْسَادِهَا فَتَدِبُّ فِيهَا كَمَا يدب السم في اللديغ، ثم يقومون ينفضون التُّرَابَ مِنْ قُبُورِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾، وقوله تَعَالَى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ أَيْ تَرَاهَا كَأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ أَيْ تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً﴾، وقال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارزة﴾، وقوله تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أَيْ يفعل ذلك بقدرته العظيمة ﴿الذي أَتْقَنَ كل شيء﴾ أي أَتْقَنَ كلُّ مَا خَلَقَ وَأَوْدَعَ فِيهِ مِنَ الحكمة ما أودع، ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بما يفعلون﴾ أَيْ هُوَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُ عِبَادُهُ مِنْ خير وشر وسيجازيهم عليه أتم الجزاء. ثُمَّ بيَّن تَعَالَى حَالَ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ يومئذٍ فَقَالَ: ﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾، قَالَ قَتَادَةُ: بِالْإِخْلَاصِ، وَقَالَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ: هِيَ لا إله إلاّ الله. وقد بين تعالى في الموضع الْآخَرِ أَنَّ لَهُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا ﴿وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الأخرة: ﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّنْ يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة﴾، وقال تعالى: ﴿وَهُمْ فِي الغرفات آمنون﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ أَيْ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُسِيئًا لَا حَسَنَةَ لَهُ أَوْ قَدْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ كل بحسبه، ولهذا قال تعالى: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وَقَالَ ابن مسعود وابن عباس والضحاك والحسن وقتادة فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾: يَعْنِي بِالشِّرْكِ.
- ٩١ - إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
- ٩٢ - وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ
- ٩٣ - وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا رَسُولَهُ وَآمِرًا لَهُ أَنْ يَقُولَ: ﴿إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ﴾ وإضافة الربيوبية إِلَى الْبَلْدَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّشْرِيفِ لَهَا وَالِاعْتِنَاءِ بها، كما قال تَعَالَى: ﴿فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ أَيِ الَّذِي إِنَّمَا صَارَتْ حَرَامًا شرعاً وقدراً بِتَحْرِيمِهِ لَهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القيامة، ولا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لقطته إلاّ من عرفها، ولا تختلى خلاه» الحديث بتمامه. وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ أَيْ هُوَ رَبُّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ ورب كل شيء وملكيه لا إله إلا هو، ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾