أموال عدوهم، وإنما هو شيء خصهم الله به تفضلاً منه عليهم، بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم، فنفلها الله تعالى هذه الأمة فهذا أصل النفل. وشاهد هذا ما في الصحيحين: «وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي» وذكر تمام الحديث.
وقوله تعالى: ﴿فاتقوا الله وأصحلوا ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ أَي اتَّقُوا اللَّهَ فِي أُمُورِكُمْ وَأَصْلِحُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَلَا تَظَالَمُوا وَلَا تَخَاصَمُوا وَلَا تَشَاجَرُوا، فَمَا آتَاكُمُ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ خَيْرٌ مِمَّا تَخْتَصِمُونَ بِسَبَبِهِ، ﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أَيْ فِي قَسْمِهِ بَيْنَكُمْ عَلَى مَا أراده الله، فإنه إنما يقسمه كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَقَالَ ابن عباس: هذا تحريج مِّنَ الله وَرَسُولِهِ أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم، وقال السدي ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ أي لا تستبوا، ولنذكر ههنا حديثاً أورده الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مسنده عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أنت وأمي؟ فقال: "رجلان من أمتي جيثا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلَمَتِي مِنْ أخي، قال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته، قَالَ: يَا رَبِّ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِي شَيْءٌ، قَالَ: رَبِّ فَلْيَحْمِلْ عَنِّي مِنْ أَوْزَارِي"، قال فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ ذَلِكَ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ، يَوْمٌ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى مَنْ يَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بصرك وانظر فِي الْجِنَانِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ فِضَّةٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةً بِاللُّؤْلُؤِ، لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا؟ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا؟ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أعطى ثمنه؟ قال: رب ومن يملك ثمنه؟ قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ، قَالَ: مَاذَا يَا رَبِّ؟ قال تعفو عن أخيك، وقال: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ. قَالَ الله تعالى: خذ بيد أخيك فادخلا الْجَنَّةَ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ القيامة» (أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي).
- ٢ - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
- ٣ - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
- ٤ - أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ فَرِقَتْ أَيْ فَزِعَتْ وَخَافَتْ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ حَقَّ الْمُؤْمِنِ الَّذِي إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَ قَلْبُهُ أَيْ خَافَ مِنْهُ، فَفَعَلَ أَوَامِرَهُ، وَتَرَكَ زَوَاجِرَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ﴾ الآية، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المأوى﴾ وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، سَمِعْتُ السُّدِّيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَظْلِمَ، أَوْ قَالَ يَهُمُّ بِمَعْصِيَةٍ، فيقال له: اتق الله فيجل قلبه؛ وعن أُمِّ الدَّرْدَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ قَالَتْ: الْوَجَلُ في القلب كاحتراق السَّعْفة (السعفة: جريدة النخل)، أَمَا تَجِدُ لَهُ قُشَعْرِيرَةً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَتْ: إذا وجدت ذلك فادع الله عند ربك فَإِنَّ الدُّعَاءَ يُذْهِبُ ذَلِكَ،


الصفحة التالية
Icon