دَعَاكُمْ إِلَيْهِ، ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ قِيلَ: الْمُرَادُ الْمُشْرِكُونَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا وَاسْتَجَابُوا وَلَيْسُوا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنْ بَنِي آدَمَ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ﴾ أَيْ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ، ﴿الْبُكْمُ﴾ عَنْ فَهْمِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ فَهَؤُلَاءِ شَرُّ الْبَرِيَّةِ لِأَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ مِمَّا سِوَاهُمْ مُطِيعَةٌ لِلَّهِ فِيمَا خَلَقَهَا لَهُ، وَهَؤُلَاءِ خُلِقُوا لِلْعِبَادَةِ فَكَفَرُوا، ولهذا شبههم بالأنعام في قوله: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغافلون﴾ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عبد الدار من قريش؛ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا فَهْمَ لَهُمْ صحيح ولا قصد لهم صحيح - ولو فُرِضَ أَنَّ لَهُمْ فَهْمًا - فَقَالَ: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ﴾ أَيْ لَأَفْهَمَهُمْ وَتَقْدِيرُ الكلام (و) لكن لَا خَيْرَ فِيهِمْ فَلَمْ يُفْهِمْهُمْ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أنه ﴿لو أَسْمَعَهُمْ﴾ أَيْ أَفْهَمَهُمْ ﴿لَتَوَلَّواْ﴾ عَنْ ذَلِكَ قَصْدًا وَعِنَادًا بَعْدَ فَهْمِهِمْ ذَلِكَ ﴿وَّهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ عَنْهُ.
- ٢٤ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ أَجِيبُوا ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ لِمَا يصلحكم، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: كنت أصلي فمر بي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَانِي، فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، ثُمَّ قَالَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ"، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجَ فَذَكَرْتُ له. فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي.
وقال مجاهد ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ قال: للحق، وقال قتادة ﴿لما يحييكم﴾ هذا هو القرآن فيه النجاة والبقاء وَالْحَيَاةُ؛ وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ فَفِي الْإِسْلَامِ إحياؤهم بعد موتهم بالكفر، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ (وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك وعطية ومقاتل وفي رواية عن مجاهد (يَحُولُ بَيْنَ المرء وقلبه) أي حتى يتركه لا يعقل)؛ وقال السدي: لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَكْفُرَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُنَاسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ؛ قَالَ الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ": نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها".
(حديث آخر): قال الإمام أحمد عن النواس بن سمعان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنُ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وإن شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ»، وَكَانَ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» قَالَ: «والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه». (ورواه النسائي وابن ماجه). (حديث آخر): قال الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِرُ فِي دُعَائِهِ يقول: «اللَّهُمَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ