العلوم والفنون الأخرى كي يتمتعوا ببلاغته وفصاحته، وإعجازه، ولكي يظهروا الفرق الشاسع بين كلام الخالق والخلق، فما من سورة من سوره ولا آية من آياته ولا كلمة من كلماته إلا ويدور حولها بحث بألسنة الباحثين والمؤلفين وأقلامهم.
وقد شرف الله بهذا الكلام المعجز للعالم محمّداً خاتم النبيين وجعله مبيّناً لما أجمل فيه وشارحاً ما يحتاج إلى الشرح بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ ١ وجعل عبء مسؤوليته وثقل رسالته من بعده على عاتق أمته وكاهل علمائها، وهم الوارثون رسالته حيث يقول: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ ٢.
فكان كل فرد من مخلصي هذه الأمة وعلمائها يتنافس مع غيره في أخذ نصيبه من الميراث، ويسابق الآخرين للاشتراك في أداء الرسالة، وكان العلامة المحقق والفهامة المدقق فريد عصره ووحيد دهره جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي القرشي، رحمه الله رحمة واسعة، واحداً منهم، فقد جاهد في سبيل الله بلسانه وقلمه وألّف في شتى الفنون حوالي (٣٨٠) كتاباً حسب ما وصل إليه العلم، ومعظم مؤلفاته كانت مهملة تأكلها الأرضة والتراب. وكان من بينها كتاب لطيف فريد في نوعه (نواسخ القرآن) وها هو اليوم بعون الله وتوفيقه يظهر من عالم

١ الآية (٤٤) من سورة النحل.
٢ الآية (١٠٨) من سورة يوسف.


الصفحة التالية
Icon