قُلْتُ: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَدْ وَجَبَ اسْتِقْبَالُهُ بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ.
وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَيْنَ تَوَلَّى بِوَجْهِهِ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، فَيَحْتَاجُ مُدَعِّي نَسْخِهَا أَنْ يَقُولَ: فِيهَا إِضْمَارٌ. تَقْدِيرُهُ: (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) فِي الصَّلاةِ أَيْنَ شِئْتُمْ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ، وَفِي هَذَا بعد، والصحيح إحكامها١.

١ قلت: وقد أنكر الطبري والنحاس وقوع النسخ في هذه الآية، وقالا: (لا يوجد هنا ناسخ ولا منسوخ).
وأما ابن هلال فقد أورد قول النسخ وقال: (إن القول بنسخ هذه الآية غلط قبيح).
قال المؤلّف في تفسيره: (وهذه الآية مستعملة الحكم في المجتهد إذا صلى إلى غير القبلة وفي صلاة التطوع على الراحلة، والخائف. وقد ذهب قوم إلى نسخها فقالوا. إنها لما نزلت، توجه رسرل الله ﷺ إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ البقرة ١٤٤.
وهذا (مروي عن ابن عباس. قال شيخنا علي بن عبيد الله: وليس في القرآن أمر خاص بالصلاة إلى بيت المقدس، وقوله: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ ليس صريحاً بالأمر بالتوجه إلى بيت المقدس، بل فيه ما يدل على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها، فإذا ثبت هذا، دل على أنه وجب التوجه الى بيت المقدس بالسنة، ثم نسخ بالقرآن).
وقال في مختصر عمدة الراسخ، بعد إيراد آية ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ "ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية اقتضت جواز التوجه إلى جميع الجهات فاستقبل رسول الله ﷺ بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب ثم نسخت قوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ وإنما يصح القول بنسخها إذا قدر فيها إضمار تقديره: فولوا وجوهكم في الصلاة أين شئتم، ثم نسخ ذلك المقدر، والصحيح أنها محكمة، لأنها خبر أخبرت أن الإنسان أينما تولى فثم وجه الله، ثم ابتدأ الأمر بالتوجه إلى الكعبة، لا على وجه النسخ.
انظر: جامع البيان١/ ٤٠٢؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس ١٥؛ والايجاز في معرفة الناسخ والمنسوخ، ورقة ١٥ من المخطوط وتفسير زاد المسير١/ ١٣٥؛ ومختصر عمدة الراسخ الورقة الثانية.


الصفحة التالية
Icon